للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدولة الموحدية، المخلصين لها. وقصد أشياخ المدينة، وعلى رأسهم المشرف ابن جشّار وأخوه ابن أبي طاهر إلى القصبة، ومع قواد الروم، وبعد مشادة قصيرة مع المسعود بن خرباش، انقض عليه الروم وقتلوه مع عدة من أصحابه، واستولى الأشياخ على القصبة، وعلى ما فيها من المال والذخيرة، ورُفع رأس المسعود على رمح وطيف به، وأغلقت المدينة أبوابها، وتولى قائد الروم ضبطها، ونادى الأشياخ بطاعة الخليفة الموحدي، وبعثوا بها إليه، وطلبوا عونه ونصرته، فبعث المرتضى إليهم، يعدهم بالعون والقدوم. ووقع هذا الانقلاب بمدينة فاس في شهر شوال وقيل في العشرين من شعبان سنة ٦٤٧ هـ (١).

ولكن المرتضى لم يسر إلى فاس، ولم يبعث إليها بمدد من جنده، وبقيت المدينة الثائرة مغلقة، تترقب مصيرها. ولما علم الأمير أبو يحيى بما حدث، وكان يغزو بلاد فازاز، تركها وارتد لمعاقبة أهل فاس على نكثهم، وضرب الحصار حول المدينة. وكان المرتضى حينما شعر بعجزه، عن تدارك فاس بعونه، قد بعث إلى يغمراسن بن زيان، يغريه على انتهاز الفرصة في بني مرين. فلما سار أبو يحيى إلى فاس، نهض يغمراسن في قواته إلى رباط تازا، يحاول الاستيلاء عليها، فاضطر أبو يحيى عندئذ، أن يترك بعض قواته لمتابعة حصار فاس، وأن يسير بنفسه لمحاربة يغمراسن. ولما وصل أبو يحيى إلى تازا، ارتد عنها يغمراسن، فسار أبو يحيى في أثره، ونشبت بين الفريقين في وادي إبسلى، على مقربة من وجدة، عدة معارك شديدة، انتهت بهزيمة يغمراسن، وسقوط محلته وأسلابه في أيدي العدو، فارتد في فلوله صوب تلمسان، وذلك في شهر ذي الحجة سنة ٦٤٧ هـ (٢).

ثم سار أبو يحيى في قواته إلى فاس، وشدد في محاصرتها ومنازلتها، فلما رأى أهل المدينة أنه لا مناص من التسليم، بعثوا إلى أبي يحيى بطلب العفو والأمان، فأجاب ملتمسهم، ودخل فاس وذلك للمرة الثانية، في العشرين من جمادى الآخرة سنة ٦٤٨ هـ (أكتوبر سنة ١٢٥٠ م)، ونزل بالقصر، وألزم أشياخ المدينة، أن يردوا إليه ما سلب من الأموال والذخائر، وقدر ذلك بمائة ألف دينار، أو ثلاثمائة ألف وفقاً لابن عذارى، فماطل الأشياخ أو عجزوا، فقبض على زعمائهم


(١) ابن خلدون ج ٧ ص ١٧٤ و ١٧٥، والذخيرة السنية ص ٨١ و ٨٢، والبيان المغرب ص ٣٩٩، وروض القرطاس ص ١٩٦.
(٢) ابن خلدون ج ٧ ص ١٧٥، والذخيرة السنية ص ٨٣

<<  <  ج: ص:  >  >>