وقد بعث الخليفة المرتضى كتابه، إلى البابا، مع الأسقف لوبى المتقدم ذكره وهو كتاب طويل، ومؤرخ في ختامه، في الثامن عشر من شهر ربيع الأول سنة ٦٤٨ هـ، وفيه يوصف البابا بعد الديباجة " بمطاع ملوك النصرانية، ومعظم عظماء الأمة الرومية، وقيم الملة المسيحية، ووارث رياستها الدينية، البابا إينه سانس، أنار الله بصيرته، بتوفيقه وإرشاده، وجعل التقوى التي أمر عز وجل بها، عدته لمحياه ومعاده ".
ويفتتح الكتاب بالإشارة إلى المسألة الدينية الجوهرية، التي تفرق بين الإسلام والنصرانية، ويعرضها الكتاب بقوة وحسم، ردا على ما أشار به البابا إلى الخليفة الموحدي، من اعتناق النصرانية، فيقول ما يأتي:
" أما بعد فإنا نحمد الله الذي لا إله إلا هو، حمد من علم أنه الرب الواحد، الذي دلت على وحدانيته البراهين القاطعة والشواهد، ونزهته العقول الراجحة، عن أن يكون له ولد، أو يدعى أنه الوالد، تعالى الملك الرحمن عما يقول المثلث والمشبه والجاحد ".
ويلي ذلك الصلاة على النبي، ثم طلب الرضى عن الإمام المعصوم، المهدي المعلوم، وعن الخلفاء الراشدين، ثم عن الخليفة المرتضى ذاته، موجه هذا الكتاب.
ويعرض الكتاب بعد الدعاء، والشكر لله تعالى، إلى موضوع المراسلة، ويشير إلى أنه كانت قد تبودلت كتب بين البابا والخليفة الموحدي، وذلك حينما يقول " فإنه سبقت منا إليكم مراجعات، عن كتبكم المؤثرة الواصلة إلينا " ثم يؤكد الخليفة للبابا، أنه يوجب لمنصبه " الذي أبر في ملتكم على المناصب حقه "، وأنه لذلك عند الخليفة " بالتكرمة الحفيلة ملحوظون، وبالعناية الجميلة محظوظون " على " ما توالى علينا من حسن إيثاركم لجانبنا وتردد ".
ثم يشير الكتاب بعد ذلك إلى أنه " قد انصرف عن حضرة الموحدين البِشُب، الذي كان قد وصل بكتابكم إلينا، انصرافا لم يعزه منّا فيه بر وإكرام، ولم يغبه فيه اعتناء به واهتمام " وأنه لبث طوال إقامته بالحضرة معززاً مكرماً، في حله وترحاله، وأنه رحل مختاراً، وهو يحمل كتاب الخليفة، تعريفاً بذلك. ويرجو الخليفة إلى البابا، أن يراعى في اختيار خلفه للإشراف على النصارى " المستخدمين ببلاد الموحدين " أن يكون من أهل العقل الراجح،