للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يتغلب على خصومه، بمعاونة أولئك الجند النصارى، أو الروم حسبما تنعتهم الرواية الإسلامية، كان في مقدمة ما عمله، أن ابتنى للنصارى في داخل مراكش كنيسة كبرى. وقد كانت أول كنيسة أقيمت بالعاصمة الموحدية، وكانت فيما يبدو أكثر من محل للعبادة، إذ كانت في أحيان كثيرة ملاذا للقادة والجند الروم، حسبما يستدل على ذلك من إشارات عديدة، وتكاثر أولئك الجند النصارى بما كان يفد إليهم من إخوانهم المرتزقة، من وراء البحر، ولبثوا أعمدة الخليفة الموحدي في مقارعة خصومه، وكانوا قوة يحسب حسابها، في سائر المنازعات والانقلابات السياسية والعسكرية.

وقد لفت قيام هذه الجالية النصرانية القوية، في العاصمة الموحدية، منذ البداية، نظر الكرسى الرسولى، ورأى فيها سنداً لتدخله، ومحاولة بث نفوذه. وكان أول ما وقع من ذلك أن بعث البابا إنوسان الرابع، بالقس لوبى فرنانديث إلى مراكش في سنة ١٢٤٦ م، في عهد الخليفة السعيد، ليكون أسقفا بها، وكان السعيد كأبيه المأمون، يغمر الجند النصارى بعطفه وصلاته، ويعتبرهم ملاذ العرش الموحدي، وسنده القوي. وبعث البابا إلى الخليفة مع الأسقف كتابا يهنئه فيه، بانتصاراته على خصومه، في سجلماسة، وبلاد الغرب، ويشيد بالدور الذي قام به الجند النصارى في هذه الانتصارات، بل وينصح الخليفة، لما كان يعلمه من استعداده، لاستقبال طوائف جديدة من أولئك الجند، ولما كان يحبوهم به من عطف - ينصحه بأن يعتنق النصرانية لكي يغنم حماية الله والكرسى الرسولى، ثم يرجوه لضمان حماية النصارى، ولكى لا يتعرضوا إلى مثل ما حدث لهم أيام يحيى المنتصر، من القتل ومن حرق كنيستهم، أن يخصص لهم بعض الحصون المنيعة، الواقعة تحت سلطانه، لكي يلجأوا إليها عند الضرورة، وكتب البابا في نفس الوقت إلى أمراء تونس وبجاية وسبتة، يرجوهم أن يسهلوا لنصارى مراكش الاتصال بإخوانهم في تلك الثغور.

على أن رسانة البابا المتقدمة إلى الخليفة السعيد، لم يكن لها أي صدى. ذلك أن السعيد، بالرغم من حرصه على إرضاء جنده، لم يكن على استعداد، لكي يمنح للكرسى الرسولى ذاته، أية امتيازات أو حقوق من أي نوع. ومن المحقق أنه لم يلق أي التفاتة، لما دعاه إليه البابا، من اعتناق النصرانية، بل سوف نرى بالعكس، ما ورد في شأن ذلك من الاستنكار، في خطاب خلفه، الخليفة المرتضى إلى البابا

<<  <  ج: ص:  >  >>