للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كبيرة بمنزله، دعا إليها معظم القادة والجند، وبعث رجاله بالليل، فقاموا بقتل القائد شقاف وزملائه، ثم نفذوا إلى القصبة، فقتلوا ابن أبي خالد، وأخرجوا ابن الشهيد في زورق سيروه إلى الأندلس. وهكذا تم تدبير الانقلاب المنشود، وخلعت طاعة بني حفص، وتولى القاضي أبو القاسم العزفى زمام السلطة (٦٤٧ هـ)، وكان أبو القاسم، وهو ولد العلامة الكبير الورع الزاهد أبي العباس العزفى، عالما جليلا، ورئيساً حازما، ورعا كأبيه، فضبط أمر سبتة بقوة وكفاية، وكان ذلك بداية رياسة هذه الأسرة العريقة، للثغر الموحدي القديم، واستمر العزفى في حكم سبتة، زهاء ثلاثين عاما، حتى توفي في سنة ٦٧٧ هـ (١).

- ٣ -

ولابد لنا أن نشير هنا، إلى حادث ذي مغزى عميق، من الناحيتين الدينية والأدبية، وإن لم يكن له نتائج مادية أو سياسية هامة، ذلك هو ما وقع من مكاتبة بين الخليفة الموحدي المرتضى لأمر الله، وبين البابا إنوسان الرابع، وقد انتهى إلينا لحسن الطالع، كتاب الخليفة الموحدي، إلى عميد النصرانية، وهو مايزال محفوظاً بأصله في مكتبة الفاتيكان الرسولية. بيد أنه يجدر بنا قبل أن نعرض إلى محتويات الكتاب المذكور، أن نشير إلى ما تقدم، من علاقات، بين الخلافة الموحدية، والكرسي الرسولي.

وقد بدأت هذه العلاقات منذ عصر الخليفة المأمون، وهو المسئول عن تشجيع الكرسى الرسولى، على محاولة بث نفوذه، داخل الإمبراطورية الموحدية. وذلك أن المأمون حينما دعا لنفسه بالخلافة، وهو بالأندلس، واعتزم العبور إلى المغرب، رأى أن يستنصر بفرناندو الثالث ملك قشتالة، لكي يمده بقوة من المرتزقة النصارى، يستعين بها على قتال خصومه. وقد رأينا فيما تقدم كيف أن فرناندو الثالث، اشترط على المأمون لمحالفته وإمداده، غير ما رغب في امتلاكه من الحصون الأندلسية، شروطاً أخرى منها أن يبنى للنصارى في مراكش كنيسة يقيمون فيها شعائرهم، وأنه إذا أسلم أحد من النصارى فلا يقبل إسلامه، بل يرد إلى إخوانه يقضون في أمره وفق ما يرون، وإن تنصر بالعكس أحد من المسلمين فليس لأحد عليه سبيل (٢). ولما استطاع المأمون أن


(١) البيان المغرب ص ٤٠٢، وابن خلدون ج ٧ ص ١٨٦.
(٢) روض القرطاس ص ١٦٧. وراجع ص ٣٦٨ من هذا الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>