الخليفة الموحدي محمد الناصر. بيد أن مسعاهم لم يسفر يومئذ عن أية نتيجة عملية، ْفلما استقلت إفريقية، وغدت في عهد أول أمرائها من بني حفص أبي زكريا يحيى، دولة قوية زاهرة، اتجه نظر مسلمي صقلية إلى غوث هذه الجارة المسلمة القوية، والظاهر مما تذكره لنا الرواية الإسلامية، أنه وقعت بين الأمير أبي زكريا، وبين ملك الجزيرة، وكان يومئذ الإمبراطور فردريك الثاني، مفاوضات بشأن مسلمي صقلية، أسفرت عن استردادهم لامتيازاتهم القديمة، من سكنى بلرم وضواحيها وبعض أماكن أخرى. بيد أنه لما توفي الأمير أبو زكريا عاد ملك صقلية إلى إضطهاد المسلمين ومطاردتهم. فاضطروا إلى مغادرة السهول، ولجأوا حسبما كانوا يفعلون من قبل، إلى الجبال والأوعار، ونصبوا عليهم أميراً من بني عباس. بيد أن هذه الثورة الأخيرة لمسلمى صقلية، لم تغنهم شيئاً، لأن ملك صقلية حاصرهم، واشتد في إرهاقهم حتى استنزلهم من الجبال، ثم أرغمهم على السكنى في منطقة لوجارا، ثم سار إلى جزيرة مالطة، وأخرج منها المسلمين، وألحقهم بإخوانهم، وكانت هذه الضربة الأخيرة لمسلمى صقلية، هي بداية انحلالهم وتلاشيهم النهائي، وغاضت آثار الإسلام من صقلية شيئاً فشيئاً، حتى انتهى أمره، من تلك الربوع، التي ازدهرت فيها حضارته زهاء أربعة قرون (١).
وكان من أصداء وفاة الأمير أبي زكريا أيضاً، ما وقع بثغر سبتة، من انقلاب جديد، وقيام دولة جديدة. وذلك أن سبتة، كانت قد قامت بالدعوة للأمير أبي زكريا، حسبما ذكر في موضعه، وأوفد إليها الأمير أبو زكريا، رجلين من قبله، للإشراف على شئونها، هما ابن أبي خالد وابن الشهيد، فلم يحسنا السيرة، وبرم بهما أهل المدينة. فلما توفي أبو زكريا تهيأت الفرصة لانقلاب جديد، في رياسة هذا الثغر، الذي لبث عصوراً من أهم الثغور الموحدية الشمالية، كما لبث عصوراً قاعدة رئيسية، لعبور الجيوش الموحدية إلى الأندلس. وذلك أن أهل سبتة، اضطرموا بالثورة، واتفق قاضي المدينة وكبير علمائها، أبو القاسم العزفى مع أمير البحر أبي العباس الرنداحى، وكان راسيا بسفنه في مياه سبتة، على تدبير الانقلاب المنشود. وكان ممن يخشى بأسهم بسبتة، غير رجال الأمير الحفصى، جماعة من فرسان الأندلس النازحين، وعلى رأسهم القائد شقّاف بطل إشبيلية السابق. فتم التفاهم على التخلص من الجميع. ودبر الرنداحي الأمر بإقامة وليمة