للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأنه نزل بجبل سكسا وعاش هنالك، وهو يرتزق من النسخ، وأنه كان مايزال بقيد الحياة، هو وأخوه محمد المقيم بغرناطة، حتى الوقت الذي كتب فيه ابن عذارى هذه السطور، وهو عام اثنى عشر وسبعمائة (١).

هذا، وتقدم إلينا الرواية الإسلامية، قصة أخرى عن أخ لأبي دبوس، آخر الخلفاء الموحدين، هو السيد أبو زيد بن السيد عبد الله، حفيد الخليفة عبد المؤمن، خلاصتها أن هذا السيد، أو السويد حسبما تنعته الرواية، كان مقيما بالأندلس، وكان قد لجأ إلى ملك قشتالة ألفونسو العاشر، وعاش تحت رعايته بمدينة إشبيلية. وفي أواخر سنة ٦٥٩ هـ (١٢٦١ م)، أعلن هذا السويد اعتناقه لدين النصرانية، في حفل عام أقيم لهذا الغرض، فقام ملك قشتالة بحلق لحيته بيده، وكساه حلة ملوكية، وعندئذ صعد السويد الموحدي، إلى كرسى عال يشرف منه على الناس، ثم قال: " أشهدكم يا من حضر من المسلمين والنصارى واليهود، أننى قدمت على دين النصرانية منذ أربعين سنة، وكنت أكتمه، وأنا الآن قد أبحته وأظهرته، وأن دين المسيح بن مريم، هو الدين القديم الأزلى "، ثم تحدث ملك قشتالة، فأثنى على السويد وهنأه باعتناق النصرانية. على أن هذا السويد المتنصر لم يعش طويلا بعد تنصره، فقد توفي بإشبيلية بعد ذلك بأربعة أشهر فقط، وذلك في أوائل سنة ٦٦٠ هـ (١٢٦٢ م) (٢).

وإنا لنقف قليلا، عند هذه الظاهرة الأليمة، التي تكررت بين بعض السادة من بني عبد المؤمن، وهي إقبالهم على اعتناق النصرانية، وخروجهم بهذه الطريقة المثيرة، على دين آبائهم وأجدادهم العريق، الذين جاهدوا في سبيل إعزازه أيما جهاد، وعلى إمامتهم الموحدية، ومقام خلافتهم العظيمة. وليس من شك في أن هذه الرِّدة، التي تكررت على يد أبي محمد عبد الله البياسى، وأخيه السيد أبي زيد والي بلنسية، ثم على يد هذا السويد أبي زيد، لم تكن ترجع إلى بواعث تتعلق بالإيمان أو العقيدة، وإنما كانت ترجع إلى بواعث مادية ودنيوية، وذلك حسبما تدلى به بالأخص حالة البياسى وأخيه السيد أبي زيد. ولا ريب أن في هذه الصفحة المؤلمة ما يصدع من هيبة الخلافة الموحدية، ومن عظمة تاريخها.


(١) البيان المغرب ص ٤٥٤. وهذه السطور تكشف لنا لأول مرة، عن جانب من حياة المؤرخ ابن عذارى، والعصر الذي عاش فيه، وقد امتد حسبما ينبئنا بنفسه، إلى ما بعد سنة ٧١٢ هـ، ومن ثم فقد عاصر المرحلة الأخيرة من حياة الدولة الموحدية، وشطراً كبيراً من حياة الدولة المرينية في مراحلها الأولى.
(٢) الذخيرة السنية ص ١٠٦

<<  <  ج: ص:  >  >>