للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما قام به أن ركب في اليوم التالي، وطاف بأحياء الحضرة، للعمل على توطيد السكينة والنظام، وتهدئة روع الناس، وقمع المعتدين والمفسدين، ثم كتب إلى حليفه، الأمير أبي يوسف عاهل بني مرين، ينبئه بما تم، وما انتهى إليه مجرى الحوادث، ولبثت المخاطبات بينهما مدى حين.

بيد أنه وقعت وحشة، بين الواثق وبين ابن جلداسن زعيم هسكورة، لم توضح لنا الرواية أسبابها، وكان ابن جلداسن من حلفائه، ومعاونيه في حركته إلى افتتاح مراكش، حسبما ذكر في موضعه، ومن ثم فإنه لم تمض بضعة أشهر حتى أخذ الواثق في الأهبة للحركة والخروج، فخرج في قواته من مراكش، في الثاني عشر من شعبان سنة ٦٦٥ هـ، فنزل أولا بالبحيرة، ثم سار إلى بلاد هيلانة فوادى أغمات، ونزل فيه بمكان يسمى تادارت معطاسة، وهنالك وفد عليه بعض أشياخ هسكورة، ومنهم الشيخ حميدى بن مخلوف الهسكورى، وكان يقوم من قبل الواثق بالاتصال بالأمير أبي يوسف، ويتردد بينهما في مراسلات ومفاوضات مختلفة. وقدم الواثق أبا موسى بن عزوز على بلاد حاحة، ليقوم بالنظر في أعمالها وتحصيل جبايتها، وبعث رجلا من ثقاته، هو عبد العزيز بن عطوش إلى ابن جلداسن زعيم هسكورة، ليستطلع الأمر، وليحادثه في بعض الشؤون، فعاد هذا الرسول، وأبلغه ما وقف عليه، والظاهر أن الأمور كانت قد هدأت عندئذ ولم ير الواثق في موقف ابن جلداسن ما يستدعى الغضب والمؤاخذة، فتركه على حاله، وقنع منه بالطاعة، مؤثراً مودته على خصومته (١).

وسار الواثق بعد ذلك من تادارت إلى الولجة الواقعة في شرقها، وفي أثناء ذلك جاءت الأنباء بانصراف بني مرين، وإجازتهم لوادى أم الربيع ومسيرهم إلى بلادهم، وكان الأمير أبو يوسف يعقوب، قد خرج في حشوده من فاس، وسار إلى بلاد دُكاله وانتسف زروعها، نذيرا لأبي دبوس، فبعث إليه أبو دبوس الشيخ الصالح أبا العباس الهسكورى بهدية سنية، ليطمئنه وليؤكد له أنه سوف يفى بعهوده وينفذ ما اشترطه على نفسه، فتقبل أبو يوسف ذلك الوعد، وارتد منصرفا إلى بلاده. فكان ذلك من بواعث الارتياح في المحلة الموحدية (٢). بيد أنه وصلت في نفس الوقت، أنباء تدل على أنه يخشى من وقوع أحداث في الحضرة، من جراء نشاط مريب، يقوم به السيد عبد العزيز بن الخليفة السعيد، فسار الواثق في


(١) البيان المغرب ص ٤٥٧ و ٤٥٨.
(٢) الذخيرة السنية ص ١٢٦

<<  <  ج: ص:  >  >>