للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنازلهم بناحية تادلا، وأثخن فيهم، ومزق جموعهم ثم غزا وادي العبيد، ونفذ إلى منازل صنهاجة، وهي الواقعة في شمالي وادي تانسيفت، وعاث فيها. واستغرقت هذه الغزوات المحلية عاما آخر هو عام ٦٦٧ هـ (١٢٦٨ م) (١).

وكان البلاط الموحدي خلال ذلك، قد ساده الاضطراب والجزع، وأخذ أشياخ الموحدين والعرب، يهيبون بأبي دبوس أن ينهض لرد بني مرين، ودفع عاديتهم، بعد أن تفاقم الأمر، وخربت الديار، وقتل الأهل والإخوة أو شردوا، ولم يكن أمام أبي دبوس في الواقع أي سبيل آخر سوى خوض هذه المعركة الحاسمة، فحشد سائر قواته من الموحدين والعرب والأغزاز وبقايا الروم، واجتمع له من ذلك جيش ضخم، وخرج في قواته من مراكش يريد لقاء بني مرين، وكان آخر الخلفاء الموحدين شجاعا مقداما، وكان يعرف أنه سوف يخوض المعركة الأخيرة والحاسمة، فإما أن يكتب له النصر علي بني مرين، وعندئذ يستطيع أن يردهم إلى منازلهم، فيما وراء وادي أم الربيع، وإما أن يلقى هزيمته الحاسمة ويسقط مدافعا عن عرشه وقومه الموحدين. ولما علم أبو يوسف بخروج أبي دبوس في قواته لمحاربته، رأى أن يلجأ إلى خطة لاستدراجه وإبعاده عن قواعده، فارتد في قواته صوب الشمال. وتصور لنا الرواية ارتداد بني مرين، أمام زحف أبي دبوس، في صورة الخدعة الحربية، وقد يكون ذلك صحيحاً، ولكنه قد يدل من جهة أخرى على أن الأمير المرينى، وقف على ضخامة الجيش الموحدي وحسن استعداده، وأنه خشى أن يخوض معه المعركة الحاسمة، قبل العمل على مطاولته وإنهاكه. وعلى أي حال فقد ارتد أبو يوسف في قواته نحو الشمال، وسار الجيش الموحدي في أثره، وهو يطاوله من موضع لآخر، واعتقد أبو دبوس من جهة أخرى أنه يطارد جيشاً يخشى لقاءه، واستمرت هذه المطاردة حتى وادي غفو، وهنالك وقف بنو مرين واستعدوا للقاء الموحدين. ونشبت في وادي غفو بين الجيشين معركة عنيفة، قاتل فيها الفريقان بمنتهى الشجاعة والجلد، وكان الموحدون يوالون الهجوم علي بني مرين، وأبو دبوس يقود المعركة بنفسه، ولكن بنو مرين ثبتوا كالصخر وقاتلوا بشدة حتى اختلت صفوف الموحدين، وتمكنت جماعة من أنجاد فرسانهم، من تطويق أبي دبوس وصحبه الذين حوله، والتحمت بينهما معركة عنيفة، أثخن فيها أبو دبوس


(١) روض القرطاس ص ٢٠٤، وابن خلدون ج ٧ ص ١٨٢

<<  <  ج: ص:  >  >>