للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الموحدية، وهو ينتسف الزروع، ويخرب المنازل والضياع، فاضطربت الأحوال في مراكش، وانقطعت عنها الموارد، وقلت المؤن، وارتفعت الأسعار فامتنع أبو دبوس بالحضرة، وبعث إلى حليفه يغمراسن بن زيان أمير تلمسان، يستغيث به، ومع رسله إليه هدية سنية. فنهض يغمراسن في حشوده، منتهزاً فرصة ابتعاد أبي يوسف بالقوات المرينية، وأخذ يغير على أطراف المغرب الخاضعة لبني مرين، ولاسيما في وادي ملوية، أصل منازلهم، ويعيث فيها تخريباً ونهبا وسلبا. فلما وقف أبو يوسف على ذلك اعتزم لفوره، أن يترك أمر العاصمة الموحدية مؤقتا، وأن يسير لقتال يغمراسن، والقضاء على حركته أولا، ثم يعود لمناجزة الموحدين. ومن ثم فقد غادر وادي تانسيفت، وارتد راجعا في قواته إلى فاس، فأقام بها أياما يستكمل أهبته، ثم غادرها في جموع عظيمة، حسنة الأهبة والسلاح، وذلك في منتصف شهر ربيع الأول سنة ٦٦٦ هـ وكان يغمراسن في تلك الأثناء قد استكمل من جانبه أهباته، وحشد سائر قواته لملاقاة المرينيين. وسار أبو يوسف نحو وادي ملوية، من طريق أجرسيف أو كرسيف، وكان اللقاء بوادي تلاغ، فنشبت بين الفريقين معركة عنيفة طاحنة، قاتل فيها كلاهما بمنتهى الإقدام والشجاعة، وامتازت بالأخص بمثول النساء في الهوادج والمراكب سافرات بين الفريقين، وتحريضهن للشجعان على الثبات والإقدام، وانتهت بانتصار بني مرين، وهزيمة يغمراسن وقومه بني عبد الواد، وتمزيق صفوفهم، ومصرع جماعة من أكابرهم، وفي مقدمتهم أبو حفص ولد يغمراسن. وفر يغمراسن بفلوله صوب تلمسان، وتبددت جموعه، واستولى بنو مرين على سائر ما في محلته، من السلاح والعتاد والأموال، ووقعت هذه الهزيمة الشنيعة على يغمراسن في الثاني عشر من جمادى الآخرة سنة ٦٦٦ هـ (١).

وهكذا قضى أبو يوسف، على الجبهة المعادية في مؤخرته، بالقضاء على قوي أمير تلمسان، وارتد بقواته إلى فاس فاستراح بها حينا، وهو يستكمل أهباته للمعركة التالية. ثم غادر فاس في شهر شعبان من نفس العام (٦٦٦ هـ) في حشود ضخمة، وعبر وادي أم الربيع، وهبط إلى البسائط المؤدية إلى مراكش، وهو يسرح جنده في كل ناحية لانتساف الزروع، وتخريب الضياع، والنهب والسبي، وأنفق بقية سنة ٦٦٦ هـ في القيام بتلك الغزوات المخربة، ثم غزا عرب الخلط


(١) الذخيرة السنية ص ١٣١ و ١٣٢ وابن خلدون ج ٧ ص ١٨٠

<<  <  ج: ص:  >  >>