للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حاضرته، وانتظم الموكب الخلافى، في أكمل وضع وأفخمه، على نسق المواكب الموحدية، فحمل المصحف الكريم (مصحف عثمان)، في هودجه بزينته القديمة، وجعلت قلائد الفضة في عنق الجمل الذي يحمله، وجملت البغال بالكسى الجميلة، وارتدى العبيد الذين يقودونها الثياب البيض، وسار الواثق وراء المصحف، ومعه الأهل والقرابة والحاشية، ومن بعدهم الوزراء في الساقة، ومعهم الأعلام الخلافية السبعة، وقبائل الموحدين كل منها رافعة علامتها التقليدية، وسار الموكب على هذا النمط حتى أشرف على الحضرة، فبرزت الناس والفرسان لاستقباله أعظم بروز، وهم يحملون البنود والطبول، واحتشد العرب من سائر البطون، وكان يوماً مشهوداً (١). ولم يكن يخطر يومئذ ببال أحد أن الخلافة الموحدية تشهر آخر مواكبها، وأنه سيكون لها بمثابة موكب الوداع، الذي تنهار من بعده، وتلفظ أنفاسها الأخيرة.

- ٢ -

وكان قد مضى عندئذ زهاء عام، مذ دخل أبو العلى إدريس أو أبو دبوس حضرة مراكش، وتبوأ الخلافة، بمعاونة أبي يوسف، ولم تبدر أية بادرة من أبي دبوس، تدل على أنه يعتزم الوفاء بعهوده، وإشراك العاهل المرينى، فيما افتتحه من بقايا الدولة الموحدية القديمة، بمعاونة جنده وأمواله، وعندئذ كتب أبو يوسف إلى أبي دبوس ينذره بوجوب تنفيذ عهوده، وتمكينه من نصف البلاد التي غلب عليها، وفاء بعهوده. وكان أبو دبوس مذ وعده يغمراسن صاحب تلمسان بحلفه ومعاونته، ومذ توالت عليه بيعات القبائل من العرب والبربر، خلال زحفه على السوس، قد شعر بتوطد سلطانه، واشتداد ساعده، واعتزم أن يدافع عن عرشه، وعن تراث الدولة الموحدية. فلما جاءه نذير أبو يوسف، رد رسوله بجفاء، وطلب إليه أن يبلغ سيده، بأن يقنع بما في يده من البلاد، وإلا جرد عليه جنوداً لا قبل له بها، وكتب إلى أبي يوسف كتابا شديد اللهجة، يخاطبه فيه مخاطبة الخلفاء والرؤساء إلى عمالهم. فثار لذلك أبو يوسف، وخرج من فاس في حشود بني مرين والمغرب، وعبر وادي أم الربيع، وزحف على العاصمة


(١) البيان المغرب ص ٤٧١ و ٤٧٢. وهنا ينتهي المجلد الثالث من كتاب " البيان المغرب في اختصار أخبار ملوك الأندلس والمغرب " لابن عذارى المراكشي وهو المخطوط الذي وجد في الخزانة الناصرية بثامجروت بالمغرب وأشرنا إليه في الفصل الخاص بالمصادر. وقد تم نشره بمدينة تطوان بعناية الأستاذ هويسى ميرانده ومساهمة الأستاذين محمد بن تاويت وابراهيم الكتانى (أواخر سنة ١٩٦٣) وقد كان لنا خلال قيامنا بتأليف هذا الكتاب من أقيم مصادرنا، وأهمها، وأكثرها تفصيلا

<<  <  ج: ص:  >  >>