للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طعناً بالرماح، وسقط صريعا عن جواده، وقتل معه وزيره أبو موسى عمران، وكاتبه علي بن عبد الله المغيلى، ومزقت صفوف الموحدين وبدد شملهم، وسقطت محلتهم، بسائر ما فيها من الأمتعة والأموال، في أيدي بني مرين، واحتز رأس آخر الخلفاء الموحدين، وحمل إلى أبي يوسف، فخر ساجداً شكراً لله على ما أولاه من النصر، وأرسلت الرأس فعلقت على سور فاس " ليعتبر برؤيتها جميع الناس ". ووقعت هذه الهزيمة الساحقة على الموحدين وهلك آخر خلفائهم في يوم الأحد الثاني من شهر المحرم سنة ٦٦٨ هـ (أول سبتمبر ١٢٦٩ م) (١).

وعلى أثر هذا النصر الحاسم، سار الأمير أبو يوسف إلى مراكش، وكان قد فر من كان بها من قرابة الخليفة وأشياخ الموحدين، على أثر وقوفهم على نبأ النكبة المروعة، ولجأوا إلى جبال الموحدين في تينملل، وهنالك بايعوا بالخلافة السيد أبا اسحاق أخا الخليفة المرتضى. بيد أنها لم تكن سوى شبح باهت ومهزلة تدعو إلى الرثاء. وفي يوم الأحد التاسع من المحرم سنة ٦٦٨ هـ، دخل عاهل بني مرين أبو يوسف يعقوب حضرة مراكش في موكب فخم، فاستقبله سائر الأكابر والوجوه، من الفقهاء والقضاة والأشياخ، وبايعوه بالطاعة، والتمسوا إليه الأمان والحماية، فأمنهم أبو يوسف وطمأنهم، وأذاع الأمان لسائر أهل المدينة، وأحوازها فاطمأن الجميع، وسادت السكينة والأمن، واستقرت الأمور، ونزل أبو يوسف بالقصبة، وتم له بفتح مراكش ملك المغرب الأقصى، وقامت على أنقاض الدولة الموحدية الأخيرة، دولة جديدة هي دولة بني مرين الفتية، تسيطر على سائر أنحاء المغرب الأقصى، من وادي ملوية وجبال الأطلس الوسطى شرقا، حتى المحيط الأطلنطى غربا، ومن رباط تازا وجبال غمارة شمالا حتى وادي تانسيفت جنوبا، وتسمى أبو يوسف منذ دخوله حضرة مراكش " بأمير المسلمين "، وخرجت كتبه إلى القبائل بهذا اللقب، وكان قبل ذلك يكتفي بلقب " الأمير " (٢).

ولبث أمير المسلمين أبو يوسف يعقوب، مقيما بمراكش إلى شهر رمضان سنة ٦٦٩ هـ، وهو ينظر في شئونها وينظم أحوالها، وترد إليه الوفود مهنئة من كل صوب، وفي خلال ذلك، بعث ابنه الأمير أبا مالك عبد الواحد في حملة قوية إلى بلاد السوس لغزوها، وإخضاع من بها، من الثوار والقبائل الخارجة


(١) الذخيرة السنية ص ١٣٢ و ١٣٣، وروض القرطاس ص ٢٠٥، وابن خلدون ج ٦ ص ٢٦٥ وج ٧ ص ١٨٢.
(٢) الذخيرة السنية ص ١٣٤

<<  <  ج: ص:  >  >>