للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن الطاعة، فسار إليها، وغزا مختلف نواحيها، واستمر في توغله حتى ماسة، ثغر السوس الأقصى، وفرض الطاعة على سائر النواحي والقبائل، ثم عاد إلى الحضرة. وبعد ذلك خرج أبو يوسف بنفسه، إلى غزو طوائف العرب، التي بسطت سلطانها على منطقة درعة، وملكت حصونها، وعاثت فيها قتلا ونهبا، فسار إليهم في رمضان، واخترق منطقة درعة، واستنزلهم تباعا، وقتل منهم عدداً كبيراً، واستولى على أموالهم ودوابهم، وسبي نساءهم، وافتتح سائر بلاد درعة وحصونها، وقضى في غزوته هذه زهاء شهرين، ثم عاد إلى مراكش في منتصف شهر شوال، فأقام بها فترة قصيرة، وعقد عليها وعلى أعمالها لمحمد ابن علي بن يحيى، وهو من أكابر قرابته ووزرائه، وأنزله بالقصبة، وفوض إليه النظر في شئونها، وعهد إليه بالقضاء على آثار بني عبد المؤمن وتتبع آثارهم أينما كانوا (١). وكان من آثار هذه المطاردة أن قبض في سنة ٦٧٤ هـ، بأحواز تينملل، على السيد إسحق بن السيد أبي ابراهيم، أخي الخليفة المرتضى، وكان قد نصبه الموحدون هنالك خليفة كما تقدم، وقبض كذلك على ابن عمه السيد أبي الربيع وغيره من القرابة، وسيقوا مع أولادهم إلى مراكش وقتلوا جميعا (٢).

وغادر أبو يوسف مراكش في منتصف ذي القعدة (٦٦٩ هـ) فسار إلى رباط الفتح، وقضى بها عيد الأضحى، ثم أخذ البيعة لولده الأمير أبي مالك بولاية عهده (٣)، وعاد بعد ذلك إلى حاضرته فاس.

وعنى أبو يوسف بأمر سبتة وطنجة لما لهما من أهمية بارزة بموقعهما على المضيق، وكونهما معبر المغرب إلى الأندلس، ومعبر الأندلس إلى المغرب، ولاسيما بعد ما ظهر من نيات إسبانيا العدوانية نحو المغرب، منذ غزو سفنها لثغر سلا، فاعتزم الاستيلاء على هذين الثغرين الهامين، وكان ابنه الأمير أبو مالك قد زحف على طنجة في سنة ٦٦٦ هـ، ولكنها امتنعت عليه، وكان يسيطر على كلا الثغرين، الفقيه العزفي حسبما تقدم ذكره. فسار أبو يوسف في قواته إلى طنجة في أوائل سنة ٦٧٢ هـ، واستولى عليها، ومنح الأمان لأهلها، ثم بعث ولده الأمير أبا يعقوب في قوة كبيرة إلى سبتة فنازلتها أياما، ثم أذعن العزفى إلى الطاعة، وتعهد بأداء


(١) الذخيرة السنية ص ١٣٤ و ١٣٨، وروض القرطاس ص ٢٠٥ و ٢٠٦، وابن خلدون ج ٧ ص ١٨٢.
(٢) ابن خلدون ج ٧ ص ١٨٢.
(٣) الذخيرة السنية ص ١٣٩، وروض القرطاس ص ٢٠٦

<<  <  ج: ص:  >  >>