للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجزية، فتقبل السلطان منه ذلك، وارتد عائداً في قواته إلى فاس (١).

ولم يكن باقيا من قواعد المغرب الأقصى دون فتح سوى سجلماسة، وكانت بيد يغمراسن بن زيان صاحب تلمسان، وحلفائه من عرب المنبّات من بطون المعقل، فسار إليها أبو يوسف في جيش ضخم، وضرب حولها الحصار، ثم اقتحمها عنوة، وكان افتتاحها في شهر صفر سنة ٦٧٣ هـ. وتم بذلك افتتاح بني مرين لسائر أمصار المغرب الأقصى وأقطاره، وبسطهم لسيادتهم عليه كاملة شاملة.

ووقعت قبل ذلك في سنة ٦٧٠ هـ، حروب ومعارك طاحنة بين أبي يوسف ويغمراسن في أحواز تلمسان، ووجدة، كان النصر فيها لأبي يوسف، وهي أحداث ليس من موضوعنا أن نتناولها هنا، لأنها تتعلق بتاريخ بني مرين وبنى عبد الواد، ولا علاقة لها بتاريخ الدولة الموحدية.

أما عبور السلطان أبي يوسف إلى الأندلس بعد ذلك غير مرة، استجابة لنداء ابن الأحمر صاحب غرناطة، وجهاده بها ضد النصارى، وانتصاراته الباهرة في ذلك الميدان، وما كان بينه وبين ابن الأحمر طوراً بعد طور، من التحالف والقطيعة، فقد تناولناه مفصلا في كتابنا " نهاية الأندلس ". وإنما نود أن نشير هنا إلى أن نزول بني مرين ميدان الجهاد بالأندلس، إنما كان قياما بنفس الرسالة التاريخية، التي بدأ بها المغرب منذ عصر المرابطين، وأن بني مرين خلفوا الموحدين، في القيام بأعمال الجهاد في الأندلس، ولكن بعد فوات الوقت، وبعد سقوط معظم القواعد الأندلسية التالدة، في أيدي النصارى، خلال الفترة التي انهار فيها سلطان الدولة الموحدية، وتضاءلت قواها ومواردها بالأندلس ثم المغرب. بيد أن تدخل بني مرين في سير الحوادث بالأندلس، ومناصرتهم لمملكة غرناطة، آخر الممالك الإسلامية بالأندلس، عصراً امتد زهاء ثمانين عاما، كان أكبر عون لها في كفاحها ضد إسبانيا النصرانية، وفي صمودها الطويل، في ميدان الصراع، ولولا عون بني مرين وعبورهم المتوالى إلى شبه الجزيرة، ليشدوا بأزر المملكة الإسلامية الصغيرة، لما كتب لغرناطة كل هذا العمر الطويل الذي عاشته، والذى امتد بعد انهيار الأندلس الكبرى زهاء قرنين آخرين.

وتوفي السلطان أبو يوسف يعقوب المرينى، قاهر الدولة الموحدية ومبيدها

بعد حياة حافلة بالفتوح المظفرة، في أنحاء المغرب، وأعمال الجهاد الجليلة بالأندلس


(١) ابن خلدون ج ٧ ص ١٨٧

<<  <  ج: ص:  >  >>