للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعصر التنافس على عرش الخلافة، والحروب الأهلية المستمرة، وذلك كله في ظل دولة تقتص أطرافها وتنهار مواردها تباعا.

على أن موقعة العقاب الحاسمة، جاءت لتعزز عوامل خطيرة أخرى، كانت تجتمع تباعا، لتحدث آثارها المخربة المادية والأدبية، في صرح الدولة الموحدية. وقد كانت هذه العوامل تعمل عملها حتى في ظل عصر النهضة، وعصر الخلفاء الأقوياء، وقد كان في مقدمة هذه العوامل، نظام الحكومة الموحدية ذاته، وأسلوب الحكم الموحدي. فقد كانت الحكومة الموحدية تقوم على أساس العصبية والقبيلة والأسرة، وكان الخليفة الموحدي وهو رأس الدولة، يجعل من أقطار الدولة وعمالاتها إقطاعات قبلية وعائلية، فلا يتولى الحكم في الأقطار والعمالات سوى السادة من أبناء الخليفة، وأبناء عمومته وقرابته، إلا في أحوال نادرة، وكانت هذه القاعدة تطبق في المغرب والأندلس في وقت واحد. ولم يكن أولئك السادة أو الحفاظ، أو الزعماء القبليين، الذين يتولون الحكم، في المقاطعات والمدن، يتمتعون دائما بمستوى عال، من الكفاية والحزم والنزاهة، وإن كان منهم في أحيان كثيرة، رجال من ذوى المقدرة، والنباهة والعفة، وقادة من أقدر رجال الحرب. ولا شك أن هذا الأسلوب الإقطاعى الضيق، في حكم العمالات والمدن، لم يكن دائماً كفيلاً بتحقيق النظام والأمن والرخاء، أو بالدفاع عن مختلف أقطار الإمبراطورية وثغورها، ومن ثم فقد كشفت حوادث الأندلس وإفريقية، غير بعيد، عن ضعف هذا النظام وقصوره. فأما في الأندلس فقد استطالت إسبانيا النصرانية والبرتغال على الأراضي الإسلامية، ونفذت قشتالة بغزواتها إلى ما وراء جبل الشارات (سيرّا مورينا)، ووصلت جيوشها إلى بسائط قرطبة وإشبيلية، ونفذت مملكة ليون الصغيرة حتى ضفاف نهر وادي يانه، واستطاعت مملكة البرتغال الناشئة من جانبها، أن تستولى على قواعد ما وراء التاجه، وأن تنفذ بغزواتها جنوبا حتى شلب، وشرقا حتى بطليوس. ولم تستطع القيادة الموحدية بالأندلس بالرغم مما كان لديها من الموارد والحاميات العديدة، وبالرغم مما كان يتدفق عليها من القوات من وراء البحر، أن تقمع هذا العدوان المستمر من جانب النصارى، أو أن تقف في وجه الغزوات النصرانية بطريقة ثابتة، بل لم يستطع الخلفاء الموحدون أنفسهم، بالرغم من عبورهم إلى شبه الجزيرة غير مرة، في جيوشهم الزاخرة، وعُددهم الهائلة، حماية الأندلس

<<  <  ج: ص:  >  >>