للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واسترداد قواعدها وثغورها المفقودة، وكان ما أصابهم من مرارة الإخفاق أكثر مما حققوا من الفتح والنجح، ولم يكن بين غزواتهم الموفقة اللامعة سوى غزوات المنصور وانتصاره الباهر في معركة الأرك العظيمة (شعبان ٥٩١ هـ - يوليه ١١٩٤ م) وهو انتصار لم تلبث أن محت آثاره هزيمة العقاب الساحقة (٦٠٩ هـ). وتفاقمت هذه الآثار في الأندلس بقيام الخليفة العادل، خروجا على خلافة أبي محمد عبد الواحد بمراكش، ثم اضطرام ثورة البياسى (٦٢١ - ٦٢٣ هـ)، وجنوحه إلى ممالأة ملك قشتالة، وتسليمه إليه عديد الأراضي والحصون، ثم خروج الخليفة المأمون على أخيه العادل ٦٢٤ هـ، والتجائه إلى ملك قشتالة، واستعانته بالجند النصارى على تحقيق أمره، وتسليمه بدوره لملك قشتالة طائفة جديدة من الحصون الأندلسية. ويجب أن نضيف إلى ذلك مأساة السيد أبي زيد والي بلنسية وأخى عبد الله البياسى، فقد رأينا ما كان من أمر هذا السيد، حينما نهض الأمير أبو جميل زيان وانتزع منه حكم بلنسية، فقد التجأ إلى حماية ملك أراجون، واعتنق النصرانية وأصبح حربا على أمته ودينه، يسلم للنصارى ما كان بيده من الحصون، ويقودهم إلى غزو الأراضي الإسلامية. وقد كانت هذه الأحداث المبيرة كلها، نذيراً بانهيار الأندلس، وتمزيق وحدتها، وتفكك أوصالها، والتمهيد لسقوط قواعدها الكبرى، وكان في الوقت نفسه نذيراً بفقد الدولة الموحدية لهذا القطر العظيم من أقطارها. وأما في إفريقية، فقد كان غزو بني غانية لثغورها وقواعدها الغنية، وعيثهم في بسائطها، وقتلهم لسكانها وانتهابهم لأموالها، وذلك مدى ثلاثين عاما، وما اضطرت الخلافة الموحدية أن تخوضه من المعارك المستمرة في إفريقية، خلال هذه الفترة، وما تكبدته من الجهود والنفقات الهائلة، في سبيل هذه المعارك، وما هلك من جيوشها في ميدان القتال لمدافعة بني غانية، وللذود عن سلطانها في إفريقية: كان لذاك كله أثر بالغ في تقويض مواردها، وإضعاف قواها. وتخريب قطر من أعظم أقطارها، وأغناها وأزخرها بالموارد. وبالرغم من أن الخلافة الموحدية، استطاعت في النهاية أن تقضى على فورة بني غانية، وأن تسترد منهم سائر الثغور والأراضي الإفريقية، وأن تفتتح ميورقة موطنهم الرئيسي، ومثوى حكومتهم ورياستهم، فإن ذلك لم يكن كافيا لتوطيد سلطان الدولة الموحدية بإفريقية، ولم يكن ليحول دون تيار الحوادث الجارف، وقد كان يندفع بإفريقية إلى قدر آخر غير البقاء في ظل الدولة الموحدية

<<  <  ج: ص:  >  >>