للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد كان انسلاخ إفريقية عن الدولة الموحدية، وقيام الدولة الحفصية بها منذ سنة ٦٢٧ هـ (١٢٢٩ م) في الواقع نتيجة لفورة بني غانية، والأحداث العظيمة التي أثارتها، وكان هذا الانفصال، بعد ضياع الأندلس، أخطر ضربة أصابت الإمبراطورية الموحدية من الناحية الإقليمية، ثم تبعتها تلمسان فاستولى عليها يغمراسن بن زيان وقومه من بني عبد الواد، وقامت بها إمارة مستقلة، أخذت في التوطد والنماء، وبذلك فقدت الدولة الموحدية إفريقية والمغرب الأوسط وفقدت في نفس الوقت ثغرى سبتة وطنجة، حيث قامت كلتاهما أولا بالدعوة الحفصية، ثم استقلت سبتة برياسة الفقيه العزفى (سنة ٦٤٧ هـ) وتبعتها طنجة، فاستقلت برياسة ابن الأمين. وبذلك فقدت الدولة الموحدية سائر ثغورها الشمالية. ثم كانت المرحلة الأخيرة في تفكك الدولة الموحدية، وهي المرحلة التي ظهر فيها بنو مرين، وقوى أمرهم بوادي ملوية، وغلبوا تباعا على أطراف المغرب الأقصى. وفي الوقت الذي شغلت فيه الخلافة الموحدية بمصانعة طوائف العرب من الخلط وغيرهم، ومعالجة غدرهم وخياناتهم، وبقمع الثورة في الأنحاء الجنوبية، كان بنو مرين يتوغلون تباعا في الأنحاء الشمالية. ولما شعر الموحدون بخطر بني مرين، على ما تبقى من إمبراطوريتهم الشاسعة، في المغرب الأقصى، كان الوقت قد فات للتغلب على تلك القوة الناهضة الدافعة، وكان سقوط مكناسة في أيدي بني مرين في سنة ٦٤٣ هـ، بداية النهاية في ضياع أمصار المغرب الأقصى، وتلتها فاس عاصمة المغرب القديمة التالدة، فسقطت لأول مرة في أيدي بني مرين في سنة ٦٤٦ هـ، ثم استولوا عليها نهائيا بعد ذلك بعامين، وكان سقوط فاس أعظم أمصار المغرب الأقصى بعد مراكش، عنوان الانهيار الأخير، فلم تمض عشرون عاما أخرى هي عهد الخليفة المرتضى، حتى اجتاح بنو مرين سائر أراضي المغرب الأقصى، فيما وراء وادي أبي رقراق ووادي أم الربيع، واستولوا على سائر تلك المنطقة، ثم كان استيلاؤهم على مراكش في المحرم سنة ٦٦٨ هـ من يد صنيعتهم أبي دبوس، خاتمة ذلك الصراع المرير المؤلم، وكان خاتمة الدولة الموحدية.

وإذا تركنا العوامل والأسباب المادية جانبا، فإن العوامل الأدبية قد لعبت أيضاً، دوراً في هذه المأساة التاريخية. ذلك أن الدولة الموحدية، قامت على أسس الإمامة المهدية، والعقيدة الموحدية، وكانت هذه الأسس بغض النظر عن حقيقة أمرها، توثق أواصر الزعامة الموحدية، وتجمع كلمة الموحدين القبلية

<<  <  ج: ص:  >  >>