والعقيدية، حول إمامة واحدة، فلما تحولت الإمامة الموحدية، إلى خلافة دنيوية، وانحصرت في بني عبد المؤمن، ضعفت هذه الأواصر العقيدية، التي كانت توثق بين الزعامة الموحدية، ولم يبد الخلفاء الموحدون من بعد عبد المؤمن أية حماسة ظاهرة في تمجيد الإمامة المهدية. وكان الخليفة المنصور بالعكس، يبدى ريبه في صحة إمامة المهدي، وفي عصمته، ولكنه لم يجرأ على أن يحدث أي تغيير ظاهر، في رسوم الإمامة الموحدية. فلما تولى ولده أبو العلا إدريس المأمون الخلافة، كان في ذلك أشد منه جرأة وإقداما، فأصدر مرسومه الشهير بإلغاء الإمامة المهدية، ومحو رسومها وآثارها (٦٢٧ هـ) وقام بذلك بثورة حقيقية في كيان العقيدة الموحدية. وكان من أثر هذا الاجتراء على محو تراث المهدي ووصيته الدينية، أن خرج معظم الأشياخ الموحدين على خلافة بني عبد المؤمن، ولجأوا إلى منازلهم في جبال المصامدة. وبالرغم من أن هذا الانفصام لم يكن له أثر مباشر من الناحية المادية، فقد كان له من الناحية الأدبية أعمق وقع، وفقدت خلافة مراكش من جرائه كثيراً مما كانت تتمتع به، من التأييد الروحى والقبلى، ولاسيما في منطقة جبال المصامدة وبلاد السوس. فلما كان عهد الرشيد ولد المأمون، وقع التقرب بين الزعماء الموحدين وبين الخلافة الموحدية، وأعاد الرشيد رسوم الإمامة المهدية، وتقاليدها السابقة، إرضاء لهؤلاء الزعماء، وجمعا للكلمة. ولكن الخلافة الموحدية لم تبرأ من ذلك الصدع الذي أصابها، ولم يكن ذلك التقرب الجديد بينها وبين أوليائها القدماء، وثيق العرى، بل كانت تغشاه الريب المتبادلة والحذر الدائم.
وكذلك كان أمر الروابط القبلية بين الخلافة الموحدية، وبين بعض القبائل البربرية القوية، وطوائف العرب من أنصارها القدماء. وقد كانت هسكورة وهي من أقوى هذه القبائل وأكثرها عدداً، تتردد بين تأييد الخلافة الموحدية وبين الخروج عليها، لا بسبب العقيدة أو المبدأ، ولكن لبواعث المصلحة الشخصية، وقد لعبت بذلك دورا هاما في المرحلة الأخيرة، من مصاير الخلافة الموحدية. وأما طوائف العرب مثل عرب الخلط وعرب المعقل وبنى جابر وغيرهم، فقد كان موقفهم من الخلافة الموحدية، موقفاً ذميما مؤلما، ولم يكن يحدوهم في تأييدها أية عاطفة من الولاء الثابت، أو شكر الصنيعة، مهما أغدقت عليهم، وكان تقلبهم في تأييد الجهات المختلفة، لا تمليه سوى البواعث المادية الوضيعة. وكانت أعمال التخريب والعيث والسفك والنهب، هي جل ما يستغرق نشاطهم أينما حلوا، وكانت خياناتهم