وتخاذلهم عن نصرة حلفائهم، في مختلف المعارك، مضرب الأمثال، وقد عانت الخلافة الموحدية كثيراً من أعمال غدرهم ونكولهم، وذلك حسبما فصلناه في مختلف المواطن.
ويجب ألا ننسى تبعة الخلفاء الموحدين أنفسهم، في العمل على تقويض أسس سلطانهم ودولتهم. فقد رأينا الخلفاء، منذ وفاة يوسف المستنصر، ينحدرون إلى هاوية الحرب الأهلية، ويشتغلون بالصراع فيما بينهم، حول اغتنام العرش، ويبددون قوي الدولة ومواردها، في معارك أهلية عقيمة، وقد استغرقت معارك المأمون، ثم ولده الرشيد، ويحيى المعتصم، فترة طويلة وموارد زاخرة، في الوقت الذي كان فيه بنو مرين يتوغلون داخل أنحاء المغرب، ويوطدون سلطانهم فيها، وقد اجترأ الموحدون في أواخر عهدهم على قتل خلفائهم، فقتل الخليفة أبو محمد عبد الواحد، ثم قتل خلفه الخليفة العادل، وقتل المأمون أشياخ الموحدين، الذين نكثوا بيعته، وقد كانوا نحو مائة أو تزيد، وقد أفنيت بهذا العمل الدموى، خلاصة الزعامة الموحدية، وانهار نفوذها القوي في توجيه الشئون.
ومما تجدر ملاحظته أن الدولة الموحدية، جازت عهداً طويلا من الانحلال والتفكك، استطال زهاء ستين عاما، قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة، وتدرجت في هذا الانحلال أطواراً متعاقبة، فلم يكن سقوطها أمراً سريعاً مفاجئاً، كما حدث في أمر الدولة المرابطية، وإنما كانت كل مرحلة تنبىء عن المرحلة التالية، ومن ثم فإن سقوطها لم يحدث في الأمة المغربية هزة عميقة، كتلك التي أحدثها سقوط الدولة المرابطية، ولم يقع في مراكش أو غيرها من المدن المغربية، عند انهيار الحكم الموحدي، شىء من تلك المناظر المروعة، التي اقترنت بدخول الموحدين مراكش، وغيرها من الحواضر، واستقبلت الأمة المغربية دولتها الحاكمة الجديدة - دولة بني مرين - بشعور الاستبشار والرضى، ولم يلبث أن تألق الحكم الجديد، وسطعت دولة بني مرين الزاهرة، وساد الأمن والنظام، وعم اليسر والرخاء في الحواضر والبوادى، واختفت تلك الهزات والأحداث العنيفة، التي لبثت تعكر صفاء السلم والحياة الوادعة، أكثر من نصف قرن.
- ٤ -
وعلى أثر انهيار الدولة الموحدية، انهار ذلك الصرح القبلى الشامخ، الذي كان ينتظم عقده، من سائر قبائل المصامدة، والموحدين، كلما جد الجد أو أقبل الجهاد، فيغدو عماد الجيوش الموحدية الجرارة، وكانت هذه القبائل تنقسم