وأن يبذل كل ما في وسعه لجمع كلمة الملوك النصارى في شبه الجزيرة، للتعاون في تحقيق هذه المهمة الكبرى، وقد نجح ألفونسو في سعيه. ونحن نعرف أنه كانت تربطه بملك أراجون بيدرو الثاني أواصر التحالف الوثيق، ثم كان أن زاره سانشو السابع (القوي) ملك نافارا في وادي الحجارة (سنة ١٢٠٧ م)، وتم التفاهم بين الخصمين القديمين، وعقدت بينهما الهدنة والتحالف لمدة خمسة أعوام، ووعد ملك قشتالة بتوسطه لدى بيدرو الثاني لكي يعقد مثل هذه الهدنة مع الملك سانشو (١)، وفي نفس الوقت عقد السلم بين ملكى قشتالة وليون على نسق ما تم في مؤتمر وادي الحجارة، وأخيراً تم التفاهم بين ألفونسو الثامن، وسانشو ملك البرتغال، وتوثق التحالف بينهما بزواج الأميرة أوراكا القشتالية، بألفونسو ولى
عهد البرتغال.
وهكذا اجتمعت الممالك الإسبانية النصرانية كلها في جبهة واحدة، تحت رعاية ملك قشتالة وقيادته.
وكان اجتماع كلمة إسبانيا النصرانية على هذا النحو، لا يقصد به فقط تحقيق سلامها الداخلى، بل كان ينطوي قبل كل شىء على المضي في تحقيق الهدف الرئيسي الذي تدخر له اسبانيا النصرانية كل مواردها وقواها، وهو محاربة اسبانيا المسلمة، ودفع تيار فتوح " الاسترداد " بأقصى ما يستطاع. ولم تكن اسبانيا النصرانية تقف وحدها إزاء هذا الهدف، بل كانت البابوية والنصرانية كلها، تحبو تلك الغاية بعطفها ومؤازرتها الفعلية، ولم تبخل البابوية بأن تسبغ الصفة الصليبية على أية طور من أطوار هذا الصراع، وكان البابا إنوصان الثالث، يشمل بنصحه ورعايته كل حركة تقارب واتحاد بين الملوك الإسبان، وكان فوق ذلك يوعز إلى الأحبار في جنوب فرنسا، أن يبثوا كل دعاية ممكنة، لحشد السادة والفرسان، للتطوع إلى هذه الحرب المقدسة. وقد سبق أن أشرنا في الفصل الذي خصصناه لموقعة العقاب إلى تلك الجهود في حشد قوي النصرانية كلها ضد اسبانيا المسلمة. وكان عبور الخليفة محمد الناصر في جيوشه الجرارة إلى الأندلس في أواخر سنة ٦٠٧ هـ (١٢١١ م) عاملا جديداً في إذكاء تلك الحركة الصليبية. ولم يلبث ملك قشتالة أن بدأ أهباته لشهر الحرب على الأندلس، وبدأ القشتاليون غزواتهم المخربة للأندلس، وذلك بالرغم من قيام الهدنة بينهم