وبين الموحدين، وكان عبور الناصر رداً على هذا التحدى السافر، وبدأ الناصر بالعمل على وقف هذا العدوان، فزحف أولا نحو منطقة جيان واستولى على قلعة شلبطرّة، ثم عاد إلى إشبيلية وضاعف أهباته وحشوده، وخرج للمرة الثانية، من إشبيلية في المحرم سنة ٦٠٩ هـ (يونيه ١٢١٢ م). وكان ألفونسو الثامن، وحلفاؤه الملوك الإسبان، قد استكملوا أهباتهم عندئذ، ووفد لمؤازرتهم سيل من الأحبار والفرسان، والمتطوعة من وراء البرنيه، واتخذت الحرب الصليبية شكلها الحقيقي، والتقت الجيوش النصرانية المتحدة بالجيوش الموحدية في هضبة العقاب أسفل جبال الشارات (سيرّا مورينا)، وكانت الموقعة المشئومة التي هزمت فيها الجيوش الموحدية شر هزيمة، ومزقت شر ممزق، وذلك في الخامس عشر من صفر سنة ٦٠٩ هـ (١٦ يوليه ١٢١٢ م)، وذلك كله حسبما فصلناه فيما تقدم تفصيلا شافيا.
وكانت نكبة العقاب، نذير انحلال الجبهة الدفاعية الموحدية للأندلس، ونذير انهيار الأندلس ذاتها، وقد عجل بهذا الانهيار، ما اضطرمت به الأندلس على أثر ذلك من ثورات جديدة، ومن تبدد قواها ومواردها الباقية، في حروب أهلية جديدة، ومنافسات على الزعامة، كان لها أسوأ الأثر في تفكك وحدتها، وفي تمهيد الطريق إلى سقوط قواعدها، واقتطاع أراضيها.
ولم يفت اسبانيا النصرانية، بعد أن خرجت من موقعة العقاب، مكللة بغار الظفر الساحق، أن تعمل لاجتناء الفرصة السانحة، وخرج ألفونسو الثامن في ربيع سنة ١٢١٣ م، لغزو أراضي الأندلس، من ناحية قلعة رباح، واستولى على بلدة الكرس، وحول مسجدها إلى كنيسة.
وبالرغم مما حدث هذا العام في قشتالة، من تلف الزروع ونفق الماشية، وانتشار القحط، وموت الكثيرين من الجوع والمرض، فإن ملك قشتالة لم يحجم عن استئناف الغزو، وفي تلك المرة اخترق جبال الشارات، وسار منحدراً نحو بيّاسة، وضرب حولها الحصار، ولكن المسلمين كانوا قد أحكموا تحصينها، وطال الحصار، والمدينة صامدة، وحل القحط في المعسكر النصراني، فاضطر ملك قشتالة إلى رفع الحصار، وعاد في قواته إلى طليطلة. ولم تمض بضعة أشهر حتى غادر العاصمة، وسار غربا بقصد لقاء ملك البرتغال ومفاوضته، ولكنه ما كاد يصل إلى بلدة جوتيرى مونيوس، حتى مرض وتفاقم مرضه