للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جنوبي الوادي الكبير، مثل أركش وشذونة وشلوقة (سان لوكار) وقادس وغيرها. وبالرغم من أن فرناندو الثالث، أنفق شطراً كبيراً من حكمه، في فتوح القواعد والأراضي الأندلسية، فإنه عنى في نفس الوقت بتنظيم الشئون الداخلية، فأصلح نظم الحكم والإدارة، وأصدر طائفة من القوانين البلدية لعديد من المدن، وعنى بتدعيم الجامعات وتقدمها، وأنشأ جامعة شلمنقة التي لبثت عصورا أعظم الجامعات الإسبانية، والتي ما زالت حتى يومنا تتمتع بكثير من سمعتها العلمية القديمة. ولما افتتح إشبيلية جعل منها عاصمة قشتالة، وأنشأ بها دار صناعة بحرية عظيمة لإنشاء السفن والقطائع الحربية، وفرناندو هو أول من عنى بإنشاء قوة قشتالة البحرية، وقد غدا الأسطول القشتالي منذ أيام ولده ألفونسو العاشر خطراً جديداً، يهدد شواطىء المغرب الشمالية والغربية. بيد أن أهم ما قام به فرناندو في مجال الإصلاح الداخلى، هو تنظيم القوانين وتوحيدها، وقد أنشأ لذلك مجلساً تشريعياً خاصاً من اثنى عشر مشرعاً من أعظم فقهاء الدولة سمى " مجلس قشتالة الملكى " وعهد إليه بأن يضع مجموعة موحدة من القوانين للمملكة كلها، وقطع هذا المجلس في تحقيق المشروع خطوات كبيرة، ولكن فرناندو توفي قبل إتمامه، فقام على إتمامه ولده ألفونسو العاشر، وسميت هذه المجموعة التشريعية " بالبنود السبعة " Siete Partidas وغدت وحدها مرجع التشريع في قشتالة (١).

وتوفي فرناندو الثالث في اليوم الثلاثين من مايو سنة ١٢٥٤ م، في الرابعة والخمسين من عمره، بعد حكم دام ستة وثلاثين عاما. ويعتبر فرناندو الثالث بما قام به من فتوح واسعة في أراضي الأندلس، وبما استولى عليه من قواعدها العظيمة، ولاسيما قرطبة وإشبيلية، قاهر الأندلس الحقيقي، وتعتبره الرواية القشتالية أعظم ملوك قشتالة، وتشيد بخلاله أعظم إشادة، وقد لبثت سيرته مدى عصور نموذجا للبطولة النصرانية، حتى أن البابوية أسبغت عليه صفة القداسة، وتوج قديساً في سنة ١٦٧١ م، على يد البابا كليمنضوس العاشر، وسمى من ذلك التاريخ بالقديس فرناندو (سان فرناندو).

وخلف فرناندو الثالث على عرش قشتالة وليون، ولده ألفونسو العاشر، وهو الملقب بالعالم أو الحكيم El Sabio. وقد تحدثنا عن هذا الملك وعصره وعلائقه مع مملكة غرناطة وبنى مرين، في كتابنا " نهاية الأندلس " فلا حاجة بنا إلى تناوله هنا.


(١) M. Lafuente: ibid ; T. IV. p. ٩٦

<<  <  ج: ص:  >  >>