ابن تومرت، ولم تتخذ في حكمها مدى العشرة أعوام، التي لبثها المهدي على رياستها أي طابع آخر، وكانت هذه الإمامة مصدر السلطات الدينية والسياسية معاً. وكانت الحكومة الموحدية عندئذ، عبارة عن ثيوقراطية (حكومة دينية) يعاون الإمام فيها، صحبه العشرة الأوائل، المسمون بالجماعة، فيما يمكن أن نصفه بالوزارة، وكان هؤلاء يضطلعون بمشورة الإمام في جلائل الأمور، بيد أنه كان يوجد إلى جانب هؤلاء، أفراد آخرون من ذوى النفوذ، كان الإمام يرجع إليهم في تدبير الشئون، وذلك حسبما يخبرنا ابن القطان (١)، ثم كان هناك من صحب المهدي أهل خمسين، وهؤلاء يشتركون في بحث الشئون الأقل أهمية، ثم أهل سبعين، ويشتركون أيضاً في بحث الشئون العادية.
فلما توفي المهدي، في رمضان سنة ٥٢٤ هـ (أغسطس سنة ١١٣٠ م) عقب هزيمة أنصاره الساحقة في موقعة البحيرة، بأشهر قلائل، وخلفه في رياسة الموحدين كبير صحبه وآثرهم لديه عبد المؤمن بن علي، وبزغ نجم الموحدين بعد ذلك على يد عبد المؤمن، واستمروا في صراعهم ضد المرابطين، حتى انتهوا بسحق دولتهم، وذلك بالاستيلاء على حضرة مراكش، في شوال سنة ٥٤١ هـ (مارس ١١٤٧ م)، واستكملت الدولة الموحدية بذلك سيادتها، على سائر أنحاء المغرب، لم يكن ثمة بد، من أن تتحول الإمامة الموحدية إلى خلافة دنيوية. وبالرغم من أن الإمامة الموحدية، لم تفقد في ظل هذا التحول صفتها الدينية، ولا اعتبارها كشعار للدولة الموحدية، فإنها لم تكن عندئذ سوى عنوان إسمى يتوج الخلافة الجديدة. والواقع أن الخليفة عبد المؤمن، هو المنشىء الحقيقي للدولة الموحدية الكبرى، وعلى يديه، توطد سلطانها بالمغرب وإفريقية والأندلس، وفي ظله تحولت الخلافة الموحدية شيئاً فشيئاً، من إمامة دينية إلى ملك سياسى باذخ، وذلك مع الاحتفاظ دائماً برسوم الإمامة المهدية، وتعاليم المهدي الدينية، والدعاء له في الخطبة، وفي المكاتبات الرسمية، ووصفه دائما "بالإمام المعصوم، المهدي المعلوم ". ومن ذلك الحين، نستطيع أن نتتبع ملامح النظم الموحدية، وطبائع الحكم الموحدي، بصورة واضحة. ويجب أن نذكر أولا، أن هيكل الدولة الموحدية الأساسى، كان يقوم منذ البداية، على أسس قَبَلية، وذلك سواء من الناحية المدنية أو العسكرية. وكانت القبائل، التي يرتكز إليها هذا الهيكل، ينتمي
(١) نظم الجمان (المخطوط السالف ذكره، لوحة ١٠ ب و ٣٣ ب) وراجع ص ١٩٦ من هذا الكتاب