للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحاول أن يخترق خطوط العدو، ولكنه ضبط وأسر، ولم تستطع برشلونة ثباتاً بعد أن هلك ألوف من أهلها، وفتحت ثغرات عديدة في أسوارها، فاضطرت إلى التسليم بعد أن ذاقت ويلات الحصار سبعة أشهر. واتخذ الفرنج من برشلونة مكان جيرندة، قاعدة للثغر القوطي الذي نما فيما بعد، وكان الفرنج يعينون حكامه من الكونتات الذين ينتمون إلى أصل قوطي أو فرنجي. ولم يلبث أولئك الحكام، حينما شعروا بقوتهم وبعدهم عن سلطان مملكة الفرنج، أن أعلنوا استقلالهم، وغدا الثغر الفرنجي إمارة نصرانية هي إمارة قطلونية، التي اندمجت فيما بعد في مملكة أراجون القوية، وخسر الإسلام بفقد برشلونة أمنع ثغوره في قاصية اسبانيا، وارتدت حدود الأندلس إلى الثغر الأعلى، بعد أن كانت تجاوز جبال البرنيه (١).

وفي سنة ١٨٩ هـ (٨٠٥ م) اكتشف الحكم مؤامرة خطيرة دبرت لخلعه، وكان من ورائها رهط الفقهاء الذين قضى الحكم على نفوذهم، مثل يحيى بن يحيى الليثي، وعيسى بن دينار، وطالوت الفقيه، وغيرهم من زعماء المالكية. وقد رأينا كيف سخط الفقهاء على الحكم لتصدع نفوذهم القديم، وأثاروا عليه وعلى خلاله دعاية قوية، واتهموه من فوق المنابر بالقسوة والخروج على أحكام الدين، وكيف كان الحكم، بمرحه وبذخه، وشغفه باللهو والشراب، يسبغ على دعايتهم قوة. وكان ثمة فريق آخر من أعيان قرطبة ينقم على الحكم صرامته وطغيانه. وكان هؤلاء وهؤلاء يتربصون بالحكم ويلتمسون الفرصة للإيقاع به، وكان في موقف الشعب القرطبي، ما يشجعهم على تدبير مشاريعهم، إذ كان الشعب متأثراً بدعاية الفقهاء في حق الحكم، وبما كان يبديه الحكم من ترفع عن الشعب، فكان أهل قرطبة يبغضون الحكم وبلاطه. وهكذا ائتمر الفقهاء والأعيان بالحكم واتفقوا على خلعه، وكان في مقدمة المتآمرين مالك بن يزيد بن يحيى التجيبي، وموسى بن سالم الخولاني، وأبو كعب بن عبد البر وأخوه عيسى، ويحيى ابن مضر القيسي الفقيه وغيرهم، وكان بينهم بعض المروانية من أقارب الحكم، ومنهم محمد بن القاسم المرواني الذي اختاره المتآمرون لرياستهم، ووعدوه بأن


(١) تضع الرواية الإسلامية تاريخ سقوط برشلونة في سنة ١٨٥ هـ (٨٠١ م) متفقة بذلك مع الرواية الفرنجية، وقد وردت عنه نبذة حسنة في مخطوط ابن حيان الذي أشرنا إليه (ص ٩٠). وراجع ابن الأثير ج ٦ ص ٥٥؛ وكذلك Scott: ibid , V.I.p. ٤٤٨-٤٥٢; و Altamira: Hist.de Espana: Vol.I.p. ٢٤١

<<  <  ج: ص:  >  >>