للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكون خلف الحكم في الإمارة (١)، ولكنه خشى العاقبة وبادر بإبلاغ الحكم، واكتشفت المؤامراة قبل نضجها، وقبض الحكم على عدد كبير من المتآمرين. واستطاع بعضهم الفرار، مثل يحيى بن يحيى، وعيسى بن دينار. وأعدم الحكم منهم اثنين وسبعين رجلا، وأبدى في إعدامهم قسوة ظاهرة، إذ صلبهم على شاطىء النهر تجاه مشارف القصر، وكان من بين القتلى عماه مسلمة المشهور بكليب، وأمية، ابنا عبد الرحمن بن معاوية، قتلهما لارتيابه في سلوكهما، فأثار هذا الإجراء الدموي في قرطبة أيما ارتياع، وأسبغ على خلال الحكم ريباً، وأذكى الحفيظة على الأمير في نفوس الخاصة والعامة معاً. وشعر الحكم بخطورة هذا الأثر، فحصن قرطبة ورمم أسوارها، واحتفر الخنادق حولها، وفرض على الشعب حكم إرهاب يزيد في حفيظته. ولم تمض أشهر على ذلك حتى اضطرمت في قرطبة فورة من السخط، وثار العامة في الرَّبض (الضاحية) بزعامة رجل منهم يقال له ديبل، وكان الحكم غائباً يشرف على محاصرة الثوار في ماردة، فعاد مسرعاً إلى قرطبة، وقبض على زعيم الفتنة وعدة كبيرة من أنصاره، وصلبوا جميعاً ومثل بهم، وسحق الهياج دون رأفة، وهدأت العاصمة إلى حين (٢).

وفي العام التالي، سنة ١٩٠ هـ (٨٠٦ م)، نشبت الثورة في ماردة بقيادة زعيمها أصبغ بن عبد الله بن وانسوس، فسار الحكم إلى قتاله، ولكنه ارتد عنه حينما وقف على نبأ الهياج في قرطبة. وترددت الحملات والبعوث بعد ذلك إلى ماردة لإخماد الثورة، واستمر زعيمها أصبغ على مقاومته بضعة أعوام، وكان ذا وجاهة وبأس، يلتف حوله مواطنوه البربر وهم كثرة في ماردة وما حولها، ولكنه اضطر أخيراً إزاء حزم الحكم وصرامته إلى طلب الأمان والصلح، فأجابه الحكم إلى طلبه، وعادت ماردة إلى الطاعة (٣).

وكانت طليطلة حاضرة القوط القديمة، وقاعدة "الثغر الأوسط" (٤) ما تزال


(١) راجع البيان المغرب ج ٢ ص ٧٣؛ وابن الأثير ج ٦ ص ٦٦؛ ولكن ابن القوطية يذكر أن المتآمرين بايعوا شخصاً آخر من أبناء عمومة الحكم.
(٢) البيان المغرب ج ٢ ص ٧٣؛ وابن الأثير ج ٦ ص ٨٦، ومخطوط ابن حيان المشار إليه ص ٩٨.
(٣) البيان المغرب ج ٢ ص ٧٤، ومخطوط ابن حيان المشار إليه ص ٩٩.
(٤) تسمى طليطلة وأعمالها في الجغرافية الأندلسية " بالثغر الأوسط " حسبما تقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>