للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأهوال الغلاء والجوع والحرمان، والأوبئة، وكانت من أشد ما عانت الأمة الأندلسية عقب انهيار الحكم الموحدي، وما ترتب عليه، من انهيار خط دفاعها القديم، ووقوعها فريسة هينة للغزو النصراني.

...

وكانت المناصب الدينية تنحصر في القضاء، وهو أهمها، والشورى، وهي من متعلقات القضاء، والخطبة في المساجد الجامعة. وكان يعين في عاصمة كل ولاية قاض للجماعة، وهو يتولى اختيار نوابه في مناصب القضاء المحلية. وقد لبث القضاء في عهد الدولة الموحدية، سواء بالمغرب أو الأندلس، محتفظاً بأهميته وجلاله القديم. وكان الخليفة الموحدي، يقوم بتعيين قضاة الجماعة، في سائر المدن الكبرى، دون تدخل في ذلك من الولاة (١). وتتبع نفس القاعدة في تعيين قضاة الأندلس. ومما هو جدير بالذكر، أن الأندلسيين كانوا يستأثرون بمناصب القضاء في بلادهم، وذلك منذ أيام الدولة المرابطية، ولم تحاول الخلافة الموحدية أن تحيد عن ذلك التقليد الراسخ إلا في أحوال نادرة كان يتولى فيها القضاء بالأندلس بعض الممتازين من القضاة المغاربة (٢). بل لقد كان الخليفة الموحدي، يختار لقضاء الجماعة بمراكش، بعض اللامعين من فقهاء الأندلس، كما حدث أيام الخليفة أبي يعقوب يوسف حينما تولى قضاء الجماعة بالعاصمة الموحدية، أبو محمد المالقي، ثم أبو جعفر بن مضاء، وتولاه أيام الخليفة المنصور أبو جعفر بن مضاء، وأبو القاسم أحمد بن بقى، وشغل أبو القاسم نفس منصبه أيام الخليفة الناصر، وذلك حسبما ذكرنا في مواضعه من قبل. ويرجع ذلك كما هو واضح، إلى تفوق الدراسات الشرعية في الأندلس، وتفوق القضاة الأندلسيين في الفقه المالكى، وفي ممارسة الأحكام وتطبيقها. وقد لبثت الأندلس محتفظة بهذا التفوق، سواء في الكتابة أو القضاء، حتى إبان انحلالها في أواخر العهد الموحدي. وأما خطة الشورى، فقد كانت أيضاً من المناصب القضائية، ولكنها كانت حسبما يبدو من مختلف الإشارات الخاصة بها، أقل في الرتبة من القضاء. ويختص


(١) البيان المغرب ص ١٢٩ و ٢٣١.
(٢) مثال ذلك ما يرويه لنا ابن الأبار في التكملة من أن أبا عبد الله محمد بن يخلفتن الفازازي التلمساني، ولى قضاء مرسية ثم قرطبة (التكملة رقم ١٦١٦)، وأن ابن جبل الهمداني من أهل وهران، ولى قضاء إشبيلية سنة ٥٩٢ هـ (التكملة رقم ١٧١٩)

<<  <  ج: ص:  >  >>