للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم تفاقم الأمر، باضطراب شئون الخلافة الموحدية، ووقوع الفتنة والحروب الأهلية حول كرسى الخلافة، وتدخل بعض طوائف العرب، مثل عرب الخُلط وبعض القبائل البربرية القوية، مثل هسكورة، في هذا النزاع، وتقلبهم في مناصرة المتنافسين على العرش، وعيثهم بأحواز العاصمة، ومهاجمتها أحيانا، وكانت المجاعة تقع حيثما تضطرم الفتنة، ومن ذلك ما يقصه علينا صاحب البيان المغرب، من وقوع المجاعة في مراكش، حينما هاجمها عرب الخلط، وعاثوا في أحوازها، فعدمت الأقوات وارتفعت الأسعار، وتحطمت المرافق، وعانى الناس منتهى الشدة، ووصل الربع الواحد من الدقيق إلى ثلاثة دنانير (١). وحدثت مجاعة مماثلة، حينما اضطر الخليفة الرشيد، أن يغادر الحضرة، أمام ضغط عرب الخلط، فقاسى الناس أهوالا، وخلت الأسواق من كل شىء، ووصل المد من القمح إلى سبعة دراهم، وأكل الناس فيتور الزيتون، ونوار الخروب، وغير ذلك من النباتات الطفيلية، وكانت محنة مروعة (٢). واستمرت الأزمات الاقتصادية، طوال أيام الفتنة، والحروب الأهلية بين الرشيد والخلط، والرشيد ويحيى بن الناصر، وخفت حدتها أيام السعيد والمرتضى، وكان القحط يقترن بوقوع الوباء. وفي سنة ٦٤٧ هـ، وقعت بمدينة سبتة وأحوازها مجاعة عظيمة، وغلاء فاحش، وذلك بسبب الفتن والحروب الأهلية المستمرة (٣). وكان صدى هذه الأزمات الاقتصادية، يحدث أثره في الأندلس. وكان من أثر المحن والأحداث السياسية في الأندلس، أن كانت أهوال الغلاء والجوع، تعصف بالناس من آن لآخر، وحدث ذلك في بلنسية حين حصارها، ووقعت شدة مماثلة بإشبيلية وقت حصارها ومات كثير من أهلها بسبب الجوع (٤). وكانت الفترة التي تلت قيام ابن هود، في شرقي الأندلس، وقيام ابن الأحمر في أواسط الأندلس، ثم في الجنوب، وما تخلل ذلك من فتن وحروب أهلية، وما قام به النصارى، من غزوات لأراضي الأندلس، ومن استيلائهم على معظم قواعدها الكبرى، وذلك كله في النصف الأول من القرن السابع الهجري، فيما بن سنتى ٦٢٠ و ٦٥٠ هـ، كانت هذه الفترة المدلهمة من تاريخ الأندلس، وما اقترن بها من محن ونوائب، وتشريد لأهل القواعد المفتوحة، وضياع للأموال والثروات، مليئة بالأزمات الإقتصادية


(١) البيان المغرب ص ٣٠٧.
(٢) البيان المغرب ص ٣١٥ و ٣١٦.
(٣) البيان المغرب ص ٣٤٧.
(٤) البيان المغرب ص ٣٨١، ٣٨٢

<<  <  ج: ص:  >  >>