للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النصارى واليهود، الذين بقوا في أراضي الدولة، ولاسيما خلال حركات الاضطهاد ْوالمطاردة، وقد كانت تحدث من آن إلى آخر.

وكان من الإجراءات المالية الهامة، التي قامت بها الخلافة الموحدية، مضاعفة وزن الدينار الموحدي، وقد تم ذلك في بداية عهد الخليفة المنصور، وكان له أثره في دعم طمأنينة التعامل، وتحسين الشئون الاقتصادية، بوجه عام. وقد لبثت الأحوال الاقتصادية بالمغرب والأندلس، في ظل الدولة الموحدية، أيام عنفوانها وقوتها، طيبة يدعمها الأمن والرخاء، وتقدم الزراعة والتجارة، وكان ذلك في عهد الخلفاء الأقوياء منذ عبد المؤمن، حتى أواخر عهد المنصور، وهي فترة دامت زهاء نصف قرن. ولم يكن يعكر هذا الرخاء، إلا فتنة محلية، أو محنة طبيعية، من جدب أو شرق أو غيره. بيد أنه لما اشتد عيث طوائف العرب بإفريقية، وخربوا مدنها، واجتاحوا بسائطها، وتفاقم هذا العيث والتخريب، أيام ثورة بني غانية، بما ترتب على مغامراتهم، من صنوف الدمار المطبق، وقطع السبل، ونهب التجار، وانقطاع المعاملات السلمية، أخذ خراب إفريقية، وهي أغنى أقطار الدولة، وأوفرها خصبا وموارد، يحدث أثره في اقتصاد المغرب، وفي تحطيم رخائه. ولما انتهت فتنة بني غانية في أوائل عهد الناصر، وعاد الأمن والرخاء لإفريقية، كانت حركة الناصر إلى الأندلس، تمهد لأعظم كارثة عسكرية، منيت بها الدولة الموحدية، ومنى بها المغرب. وكان لهزيمة العقاب الساحقة، فضلا عن آثارها العسكرية المدمرة، آثار اقتصادية بعيدة المدى، فقضى بفناء الجند على الأيدى العاملة، وانهارت الزراعة والتجارة، وعدمت الأقوات، وفشت المجاعة في المغرب والأندلس، وكان يذكى من هذه المحنة الاقتصادية، ضعف الحكومة وتواكلها، واحتجاب الخليفة، وعدم اهتمامه بآلام الشعب. وفي عهد المستنصر ولد الناصر، تفاقمت الأزمة الاقتصادية بالمغرب والأندلس، واشتدت الحال، وتناهى الغلاء (١)، واختلت أحوال الخلافة الموحدية، واضطرب الأمن، وقطعت السابلة، ووقع النهب على التجار، واستمرت هذه الأحوال طوال عهد المستنصر، وهو في غفلة عن كل ما يجرى، غير مهتم بشئون رعيته أو جاهل لها، لتواكل وزرائه، وإخفائهم عنه حقائق الشئون (٢).


(١) البيان المغرب ص ٢٣٦ و ٢٤٥.
(٢) الذيل والتكملة لابن عبد الملك (المجلد الخامس من مخطوط المتحف البريطاني لوحة ١٩)

<<  <  ج: ص:  >  >>