للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتحجير المراسى، وغيرها من المظالم، ووجوب القضاء عليها، وإجراء العدل في شأنها (١)، ونراه بعد ذلك ببضعة أعوام، يعود إلى ذكرها، في رسالة إلى إلى أهل قسنطينة عن فتح بجاية في جمادى الأولى سنة ٥٤٧ هـ، وفيها يتحدث عما فرضه " أهل الاختلاق والابتداع " من " القبالات والمكوس والمغارم وسائر تلك الأنواع " دون التفات إلى ما أوجب الله من الزكوات والأعشار، حتى قضى الله بإزالتهم، ورد الأمر إلى نصابه، بإجراء الشريعة على حقيقتها، وإراحة أهل البلاد المعمورة بالتوحيد من جميع هذه المغارم (٢).

على أن هذه العهود الرسمية، التي كانت تستند في جوهرها، إلى تعاليم المهدي ابن تومرت، ودعايته ضد الدولة المرابطية، فيما جرت عليه من فرض المغارم والمكوس غير الشرعية، لم تكن سوى شعار مؤقت، تستظل به الدولة الموحدية في بداية عهدها، ذلك أنه لما توطدت دعائم الدولة الجديدة، واتسع نطاق مسئولياتها المدنية والعسكرية، سواء في المغرب والأندلس، كان من الواضح أن الاقتصار على تحصيل الفروض الشرعية في شئون الجباية، لا يمكن أن يفى بما تتطلبه نفقات الدولة، أو نفقات الجيوش الموحدية الضخمة في المغرب، أو فيما وراء البحر، ومن ثم فقد اضطرت الدولة الموحدية غير بعيد، أن تبحث عن وجوه أخرى، لتحقيق الجباية وتوفير النفقات، فكان مما فعله عبد المؤمن في ذلك، قيامه بمسح (أو تكسير) بلاد إفريقية والمغرب، من برقة إلى السوس الأقصى، وإسقاط مقدار الثلث من مساحتها، مقابل الجبال والأنهار والطرقات وغيرها، وفرض الخراج على ما بقى بعد ذلك، من الأراضي الصالحة للزرع، وألزمت كل قبيلة أن تؤدى قسطها من الزرع والمال (٣). ومن جهة أخرى فإن الخلافة الموحدية، كانت إلى جانب ما يدخل خزائنها، من غنائم الفتوحات المظفرة، وأبواب المصادرة لأموال الخصوم، ومن يلحق بهم من العمال المنكوبين، لم تحجم عن أن تفرض مختلف الضرائب والمكوس، على مختلف أنواع المعاملات، من البيع والشراء، والصادر والوارد، وغير ذلك، مما كان متبعاً في سائر دول العصور الوسطى، وهذا إلى ما كانت تستولى عليه، من أموال


(١) راجع ص ٤٠٠ من القسم الأول من هذا الكتاب.
(٢) راجع رسالة عبد المؤمن المذكورة في " رسائل موحدية " وهي الرسالة السابعة ص ٢١.
(٣) راجع ص ٣٧٧ من القسم الأول من هذا الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>