للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وطلاب الحضر، منذ عصر الخليفة عبد المؤمن. وقد سما شأن هؤلاء الطلاب، ولاسيما في عهد الخليفة يعقوب المنصور، وكانت لهم لديه مكانة ملحوظة (١) وكان المقدم على طلبة الحضر بحضرة مراكش، ينتخب من أكابر العلماء، ويقوم الخليفة بتعيينه مباشرة، وقد تولى هذا المنصب علماء أجلاء، مثل أبي محمد المالقي، وأبيه عبد الرحمن المالقي من قبل (٢).

٢ - تطور الأساس الروحي للخلافة الموحدية

قامت الدولة الموحدية في بدايتها، حسبما قدمنا، على فكرة الإمامة والتوحيد، فلما توفي المهدي ابن تومرت، وقام في رياسة الدولة زعيم لا يتشح بثوب المهدية أو الإمامة الروحية، واتسعت رقعة الدولة، وعظمت صولتها العسكرية، والسياسية، تحولت الخلافة الموحدية على يد عبد المؤمن، إلى ملك دنيوى باذخ، وغاضت فكرة الإمامة المهدية شيئاً فشيئاً، وإن كانت الدولة الموحدية، قد لبثت حريصة على تقديس ذكرى المهدي، ونعته دائماً في الخطب والرسائل الرسمية " بالإمام المعصوم، المهدي المعلوم "، وذكر اسمه في السِّكة، والمناداة بشعائره البربرية القديمة في أوقات الصلاة. واستمر الأمر على ذلك حتى عهد الخليفة يعقوب المنصور، وفيه بلغت الدولة الموحدية أوج عظمتها وروعتها. وكان المنصور عالماً مستنيراً، متمكناً من الشريعة وعلوم الدين، ولم يكن حسبما تبين بعض من تصرفاته المذهبية، من الغلاة في تقدير العقيدة الموحدية، أو المؤمنين بعصمة المهدي ابن تومرت، بيد أنه بالرغم من عظيم هيبته وسلطانه، وبالرغم مما قام به من تغييرات مذهبية بعيدة المدى، مثل مطاردة كتب المذهب المالكى، وإحياء المذهب الظاهرى، فإن الخلافة الموحدية لبثت مع ذلك تنضوى من الناحية الدستورية تحت لواء " الدعوة المهدية "، ولبثت رسائلها الرسمية تتوج " بالرضا عن الإمام المعصوم المهدي المعلوم " (٣).

على أنه لم يك ثمة شك، في أن العقيدة الموحدية لم تكن عندئذ، سوى


(١) المراكشي في المعجب ص ١٥٨، وراجع ص ٢٤٤ من هذا الكتاب.
(٢) البيان المغرب ص ٢٣٣ و ٢٣٤.
(٣) راجع الرسائل الثانية والثلاثون والرابعة والثلاثون والخامسة والثلاثون من مجموعة " الرسائل الموحدية " وهي صادرة عن الخليفة المنصور (ص ١٩٩ و ٢١٩ و ٢٢٩)

<<  <  ج: ص:  >  >>