شعار إسمي، وأن إبقاء الخليفة الموحدي، على رسوم المهدي ابن تومرت، لم يكن سوى إجراء شكلى، يقصد به إلى جمع كلمة الموحدين، تحت شعار موحد، وكانت هذه سياسة حكيمة من جانب الخلافة الموحدية، كان لها أثرها القوي في تدعيم أركان الدولة، وحمايتها من أخطار الفتنة والتفرق.
فلما كان عهد الخليفة أبي العُلي المأمون ولد الخليفة المنصور، وقع الحدث الحسم، في دستور الخلافة الموحدية، وشعارها الروحى، وأصدر المأمون مرسومه الشهير (٦٢٧ هـ) بإزالة اسم المهدي من الخطبة، ومن السكة، ومن المخاطبات الرسمية، وقطع النداء عند الصلوات بشعائره البربرية، التي كان العمل جاريا باتباعها منذ بداية الدولة الموحدية، ولم يحجم المأمون عن أن يصرح في كتابه الرسمى الذي أنشأه بنفسه، أن وصف ابن تومرت " بالمهدي وبالإمام المعصوم " إنما هو نفاق وبدعة وأمر باطل، وأنه يجب نبذه والقضاء عليه (١).
وهكذا قضى بضربة جريئة على أسطورة المهدي ابن تومرت، وأسطورة إمامته وعصمته، وهي الأسطورة التي اتشح بها ابن تومرت، وبويع في ظلها بجبل إيجليز في رمضان سنة ٥١٥ هـ (ديسمبر سنة ١١٢١ م)، وكانت هي الأساس الروحى لقيام الدولة الموحدية.
وفضلا عن ذلك فقد قضى المأمون على عصبة الموحدين، بقتله لزعمائهم الذين نكثوا بيعته، حتى فنى معظمهم، وفر الباقون ليعتصموا بجبالهم القديمة في تينملل، وبذلك ضربت الزعامة الموحدية في الصميم، وفقدت الخلافة الموحدية بذلك عضدا، كان له في عونها ومؤازرتها، قيمته الأدبية والمادية.
ثم كانت خلافة الرشيد، ولد المأمون، فوقع تطور جديد في رسوم الخلافة الموحدية وأسسها الروحية. وذلك أن الرشيد شعر بأهمية مؤازرة أشياخ الموحدين، واتجه إلى استرضائهم، واستعادتهم إلى جانب الخلافة الموحدية، وقبل الزعماء الموحدون، أن يعودوا إلى سابق ولائهم، وتعاونهم مع الخلافة، على أن تعود رسوم الدعوة المهدية كما كانت، من ذكر المهدي في الخطبة والسكة، والنداءات الموحدية في الصلوات، وغير ذلك مما كان العمل جاريا عليه، قبل أن يصدر المأمون مرسومه بإلغاء الدعوة المهدية. وقبل الرشيد ذلك، وقام بتنفيذه، وأعيدت رسوم الدعوة المهدية كما كانت. بيد أنها لم تكن يومئذ سوى
(١) راجع مرسوم المأمون في البيان المغرب ص ٢٦٧ و ٢٦٨، وراجع ص ٣٧١ من هذا الكتاب