للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إجراء شكلي، وشبح باهت، ولم تلبث الخلافة الموحدية، أن دخلت في مرحلة انحلالها الأخير، وأخذت تسير إلى قضائها المحتوم.

٣ - النظم العسكرية

ليس ثمة شك في أن القوة العسكرية، كانت منذ البداية، عماد الدولة الموحدية الأول، وقد بلغت التنظيمات العسكرية في ظل الدولة الموحدية، من حيث الضخامة مبلغاً لم تبلغه في أية دولة أخرى، في الغرب الإسلامي.

وقد كانت الحشود القبلية، هي المصدر الرئيسي للجيوش الموحدية. وقد بدأت هذه الحشود بصورة متواضعة، حينما أعلن المهدي ابن تومرت إمامته، وبايعته القبائل الموحدية، وأخذ يتأهب لمحاربة المرابطين. وكان المهدي هو أول من وضع نظاما عسكريا لأنصاره الموحدين، فرتبهم صفوفا، وجعل لكل عشرة منهم نقيباً. والتقت هذه الحشود القبلية لأول مرة بالمرابطين، وهي قليلة ْالأهبة، قليلة العدة، ودون نظام عسكري محكم، فكانت الحماسة لديها تغنى عن السلاح والنظام، وكانت انتصاراتها في المعارك الصغيرة الأولى، التي نشبت بينها وبين المرابطين، تذكى من عزمها وإقدامها، وتساعد في تضخم جموعها. وهكذا بدأ الجيش الموحدي في التجمع والانتظام، وإذا استثنينا موقعة البحيرة، التي فنى فيها معظم الجيش الموحدي الأول تحت أسوار مراكش، فإن الجيوش الموحدية، لم تلبث أن نهضت من هذه الضربة، وعادت منذ خلافة عبد المؤمن إلى سابق منعتها وتضخمها.

واتخذ المهدي لجيشه منذ البداية علما أبيض، كتب على أحد وجهيه " الواحد الله. محمد رسول الله. المهدي خليفة الله "، وكتب على الوجه الثاني " وما من إله إلا الله. وما توفيقى إلا بالله. وأفوض أمرى إلى الله " (١). وقد لبث البياض شعار العلم الموحدي دهراً، ولكن مع تغيير الأدعية والآيات التي تكتب عليه، ثم غيرت ألوانه بعد ذلك فيما يبدو، في أواخر عهد الدولة الموحدية، حسبما يبدو ذلك من ألوان العلم الموحدي الذي غنمه القشتاليون في معركة العقاب ٦٠٩ هـ، والذى يحفظ حتى اليوم في دير برغش الملكي (٢).

وفي عهد عهد المؤمن بن علي، أول الخلفاء الموحدين، اتسع نطاق الجيوش الموحدية، وزادت حشودها زيادة هائلة، وذلك بعد أن دانت سائر


(١) راجع ص ١٩٦ من القسم الأول من هذا الكتاب.
(٢) راجع ص ٣١٧ من هذا الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>