للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قبائل المغرب للطاعة، وأخذت تساهم بحشودها في الجيوش الموحدية، وبالرغم من أن الحشود كان يجرى تنظيمها على أساس قبلى محض، فقد استطاع عبد المؤمن بسياسته في تأليف القبائل المختلفة، أن يؤلف بين هذه الحشود القبلية، وأن يجعل منها وحدة عظيمة متناسقة كانت هي عماد الجيش الموحدي، وقد استطاع عبد المؤمن من أن يحشد لغزو إفريقية جيشاً جراراً تقدره الرواية بخمسة وسبعين ألف فارس وخمسمائة ألف راجل، وهو رقم هائل في ذلك العصر (١). وقد وصف لنا صاحب الحلل الموشية بهذه المناسبة، طريقة مسير الجيش الموحدي، وخلاصتها أن يبدأ السير عقب صلاة الصبح، على صوت طبل الرحيل، فإذا ركب الخليفة، اجتمع حوله الأشياخ والأعيان، ويسير على بعد منه نحو مائة فارس، ويتقدم الموكب الخليفى مصحف عثمان، وهو في تابوته المغلف بصفائح الذهب، والمرصع بالياقوت الأحمر، موضوع في هودج يحمله نجيب، ويتبعه الخليفة ومن ورائه أولاده، ثم البنود والطبول، فالوزراء وأكابر الدولة. وتسير الجيوش على ترتيبها، دون تزاحم، فلا يتعدى أحد طوره، فإذا كان وقت النزول، نزلت كل قبيلة في منزلها، وكانت محلة الجيش تضم إلى جانب موارد المؤن، جميع الصناع وسائر أرباب الحرف، وكل ما يحتاج إليه " كأن المسافر معهم مقيم " (٢).

وكانت سلا ورباط الفتح، مركزاً لتجميع الجيوش الموحدية، سواء الذاهبة منها إلى إفريقية، أو تلك التي تقصد العبور إلى الأندلس، وكانت المنطقة الواقعة شمالا،، فيما بين سلا وسبتة، تحتوي عدة مراكز كبيرة متتالية لتخزين المؤن اللازمة لإمداد الجيوش الذاهبة والعائدة. وكان طريق العبور المفضل للجيوش الموحدية، إلى شبه الجزيرة، قصر مصمودة أو القصر الصغير، الواقع على مسافة قريبة غربي سبتة. وموضع نزولها المفضل في شبه الجزيرة، هو ثغر طريف أو الجزيرة الخضراء، وذلك بالرغم مما قام به الخليفة عبد المؤمن من إعداد جبل طارق لنزول الجيوش الموحدية، وتزويدها بالحصون والمرافق اللازمة.

وقد سبق أن أشرنا إلى رواية ابن اليسع عن ابتكار الموحدين، منذ عصر عبد المؤمن، لخطة المربع الموحدي، التي اتخذت من ذلك الوقت، أساسا لخطط


(١) الحلل الموشية ص ١١٥.
(٢) الحلل الموشية ص ١١٦

<<  <  ج: ص:  >  >>