للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدفاع الموحدية، وخلاصتها أن " تصنع دارة مربعة في بسيط المعركة، يجعل فيها من جهاتها الأربع، صف من الرجال بأيديهم القنا الطوال، والطوارق المانعة، ومن ورائهم أصحاب الدروق والحراب صفاً ثانياً، ومن ورائهم أصحاب المخالى فيها الحجارة صفاً ثالثاً، ومن وراء هؤلاء الرماة صفاً رابعاً. وفي وسط المربعة، ترابط قوي الفرسان ". وكانت صفوف الفرسان تخصص لها أمكنة معينة، في جميع جوانب المربع، وتفتح لها مخارج سريعة تستطيع أن تنطلق منها، ثم تعود إلى أماكنها الداخلية، دون أن تخل بنظام الرجّالة (المشاة). ويقوم بالهجوم الأول قوات المتطوعة المجاهدة، تؤيدها القوات الخفيفة، فإذا استطاع العدو أن يرد هؤلاء، وأن يتقدم حتى مواقف الجنود الموحدية النظامية، وقف حملة الحراب أمامه كالسد الحديدى الذي لا يخترق، واستقبله الرماة من حملة القسى والنبال بسيل من السهام والحجارة، فإذا استطاع العدو أن يخترق الصف الأول وهم حملة الحراب، استقبله حملة السيوف والدروع متأهبين لرده، وبادر الفرسان إلى معاونتهم من الأماكن الداخلية، فإذا استطاع العدو بعد كل ما تقدم، أن يتغلب على القلب والجناحين، فعندئذ يقوم الجيش الموحدي بالضربة الأخيرة، وتتقدم قوات الضلع الرابع من المربع، وهي الساقة أو الاحتياطى، المكون من صفوة الجند، ولاسيما الحرس الخاص، ويقودها الخليفة بنفسه، وكثيراً ما كانت هذه الصفوف الاحتياطية، تساعد على إحراز النصر بشجاعتها وخبرتها. وكانت هذه القوات تمتنع أحيانا داخل نطاق من السلاسل الحديدية، تبرز من خلالها الحراب الطويلة، فتثخن بذلك في العدو متى اجترأ على الدنو منها (١).

وكان التجمع القبلى حسبما أشرنا من قبل، هو الدعامة الأولى لحشد الجيوش الموحدية، وكانت معظم الحشود تجمع من القبائل الموحدية الرئيسية، التي يرتكز إليها هيكل الدولة الموحدية، والتي ذكرناها فيما تقدم، ومعظمها ينتمى إلى مصمودة. ولما اتسع نطاق الغزوات الموحدية في المغرب والأندلس، ولم تعد القبائل البربرية تكفى وحدها، لإمداد الجيوش الموحدية، بما تحتاج إليه من الحشود الضخمة، عمدت الخلافة الموحدية إلى التفكير في استمالة طوائف


(١) الحلل الموشية ص ٩٨، وتاريخ الأندلس في عهد المرابطين والموحدين لأشباخ ص ٤٤٨ و ٤٨٩. وراجع ص ٢٤٦ من القسم الأول من هذا الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>