العرب النازحين لإفريقية، والاستعانة بهم في مختلف حروبها وغزواتها، ومن أول من فكر في ذلك الخليفة عبد المؤمن، وذلك حينما اصطدم بأولئك العرب لأول مرة عند افتتاحه لبجاية، ثم افتتاحه للمهدية، بيد أنه لم ينجح في ذلك نجاحا يذكر. فلما تولى الخلافة ولده أبو يعقوب يوسف، بذل في سبيل استنفار طوائف العرب، واستمالتها إلى المشاركة في الجهاد بالأندلس جهوداً مضاعفة، واستعان في ذلك بتوجيه القصائد الرنانة لهم، وكان ممن اشترك في توجيه الشعر إليهم طبيبه الفيلسوف ابن طفيل، فوجه إليهم قصيدته الرائعة التي مطلعها:
أقيموا صدور الخيل نحو المضارب ... لغزو الأعادي واقتناء الرغائب
ونجحت هذه المحاولة، في استمالة طوائف كبيرة، من عرب هلال وسُليم وزغبة ورياح وغيرهم، إلى الانضمام إلى الجيوش الموحدية المجاهدة، وغمرهم الخليفة بإنعاماته وصلاته، من المال والكساء والسلاح، وذلك كله حسبما سبق أن فصلناه في موضعه (١).
ومن ذلك الحين تؤلف طوائف العرب، جناحا هاما في الجيوش الموحدية، وتشترك في سائر الحروب والغزوات الموحدية بالمغرب والأندلس. بيد أنه تبين فيما بعد، في كثير من الوقائع، أن انضمام أولئك العرب إلى الجيش الموحدي، كان خطأ عسكرياً فادحاً، وأن ضررهم كان أكثر من نفعهم في مشاركته، وذلك لما كانوا يتسمون به من التقلب وعدم الولاء، وشغف انتهاز الفرص السانحة. وقد خذلوا الجيش الموحدي في كثير من الوقائع في إفريقية والأندلس. وقد كان اجتذاب الخلافة الموحدية، لهذه الطوائف العربية، يرمى إلى تحقيق غايتين: الأولى إنقاذ إفريقية من عيثهم وتخريبهم المستمر، والثاني الاستعانة بهم في أعمال الجهاد بالأندلس. ولكن تبين على ضوء الحوادث، أنهم لبثوا في إفريقية عامل تخريب ودمار، طوال أيام ثورة بني غانية، يتقلبون طول الوقت بين الفريقين المتحاربين، وأنهم كانوا في الحملات الموحدية بالأندلس عامل تثبيط وخذلان. على أن السياسة الموحدية لم تعدل عن المضي في سياستها، في استمالة العرب ومصانعتهم حتى النهاية. فنراهم في أواخر عهد الخلافة الموحدية يشغلون في شئونها، وفي تكييف مصيرها، مكانة ملحوظة. ونرى الخليفة الموحدي، عند اضطرام الحرب الأهلية بينه وبين منافسيه، يستعين بعرب الخُلط، وأحيانا