الوجوه إلى حظوة آل مردنيش بعد وفاة عميدهم محمد بن سعد، لدى الخليفة الموحدي، وإلى موافقة الخليفة على استبقاء آل مردنيش لسلطانهم ونفوذهم في تلك المنطقة مدى حين. ولما تضعضع سلطان الحكومة الموحدية، بعد ذلك بنحو ثلث قرن، على أثر نكبة الجيوش الموحدية في موقعة العقاب (٦٠٩ هـ) وضعفت الحاميات الموحدية المحلية، كان شرقي الأندلس كذلك، أول المناطق التي قامت بها الحركة التحريرية الأندلسية، على يد المتوكل بن هود، في مرسية وأحوازها، والرئيس أبي جميل زيان بن مردنيش في بلنسية. ولم يكن ذلك سوى تجديد للحركة القومية الأندلسية، التي اضطرمت ضد الحكم الموحدي في شرقي الأندلس، على يد محمد بن سعد بن مردنيش، ولبثت صامدة زهاء ربع قرن. بيد أن هذه المرحلة الأخيرة من الحركة القومية الأندلسية، كانت ضعيفة، ولم يكتب لها الصمود، إزاء توثب الممالك النصرانية وهجماتها المتوالية، فكانت بداية المحنة ونذير الانهيار.
ونهض محمد بن الأحمر في أواسط الأندلس، فكانت ثمة حركة قومية أندلسية أخرى. وكانت هذه الحركات القومية الأندلسية المحلية، في الظروف الدقيقة التي كانت تعمل فيها، وبالرغم من صفتها القومية والتحريرية، تصطبغ بلون انتحارى مؤلم، وكانت الزعامات والقوى الموحدية، التي بقيت في شبه الجزيرة تشغل بمشاريعها الخاصة، وأطماعها في عرش مراكش، الذي أحاقت به الخلافات والفتن، عن الاهتمام بقضية الأندلس، أو التفكير في مدافعة أعدائها المتربصين بها، أعني النصارى الإسبان، بل كانت بالعكس تصانع أولئك الأعداء، وتستمد عونهم، وتقطعهم ما بيدها من حصون الأندلس وأراضيها. وقد لبثت إشبيلية حتى بيعة المأمون بالخلافة، مركز الحكم الموحدي بالأندلس، ولكنها مذ غادر المأمون شبه الجزيرة إلى المغرب (٦٢٦ هـ)، قامت بها حكومة محلية في ظل الخلافة الموحدية، ثم أخذت تتردد بين الاستقلال، وبين الانضواء تحت حكم ابن هود تارة، وتارة تحت ظل الخلافة الموحدية، وأخيراً تحت ظل الدولة الحفصية بإفريقية. وكان حكم الأندلس في تلك الفترة العصيبة، كله اضطراب وفوضى، ولم تكن ثمة حكومة موحدة، في أية منطقة من المناطق، بل كانت ثمة حكومات محلية عديدة في منطقة الشرق، وفي أواسط الأندلس، وفي إشبيلية وقواعد الغرب، حسبما فصلناه كله في مواطنه