كبير فيما جرت عليه الدولة الموحدية طوال أيامها، من رعاية للعلماء والمفكرين من كل ضرب، وحشدها لأعلام الكتاب والمفكرين حول البلاط الموحدي، سواء في مراكش أو إشبيلية.
ونستطيع أن نضيف إلى ذلك أن الخلافة الموحدية، تحملها هذه النزعة العلمية الأصيلة، قد جرت على سياسة إطلاق حرية البحث والتفكير، خلافا لما كانت عليه الدولة المرابطية، من تزمت وتقييد لحرية الفكر، ومطاردة منظمة لكتب الغزالى وأضرابها من كتب الأصول المشرقية. ولم تشذ الخلافة الموحدية عن هذا المبدأ الحر، إلا في أحيان قليلة، كان أهمها حادثان، هما اضطهاد العلامة الفيلسوف والطبيب اليهودى الرئيس موسى بن ميمون، ومحنة العلامة الفيلسوف والطبيب أبي الوليد بن رشد، وذلك حسبما نشير إليه فيها بعد عند الكلام على هذين المفكرين.
بيد أنه بالرغم من هذا التنويه، بما كان عليه الخلفاء الموحدون من الصفات العلمية، ورعاية العلوم والآداب، وما جرت عليه الخلافة الموحدية من إطلاق حرية الفكر، يجب ألا ننسى حقيقة هامة، وهي ذلك الدور الفعّال الذي لعبته الأندلس، وهي يومئذ إحدى ولايات الإمبراطورية الموحدية الكبرى، في إذكاء الحركة الفكرية العامة، بالغرب الإسلامي، خلال العصر الموحدي. وإذا تركنا جانبا ما كان يحشده البلاط الموحدي حوله، من أعلام الكتاب الأندلسيين، فإن تقاطر العلماء على اختلاف طوائفهم باستمرار من شبه الجزيرة الأندلسية، إلى العدوة، واستقرار الكثير منهم بالحاضرة الموحدية، أو بغيرها من قواعد المغرب، وعبور الطلاب والعلماء المغاربة من جهة أخرى إلى الأندلس، للدراسة بمعاهدها التالدة في إشبيلية، وقرطبة وغرناطة وبلنسية ومرسية، كان له أكبر الأثر في ازدهار الحركة الفكرية، بالقطرين العظيمين المغرب والأندلس. ولما انهار سلطان الموحدين بالأندلس، وأخذت قواعد الأندلس الكبرى، تسقط تباعا في أيدي النصارى، عبر كثير من علماء الأندلس، من أبناء القواعد الذاهبة، إلى ثغور إفريقية وقواعدها، ولاسيما تونس وبجاية وتلمسان، وقامت في شمال إفريقية في أواسط القرن السابع الهجرى، حركة فكرية وأدبية زاهرة. ومن ثم فإنه من الواضح، إزاء ذلك كله، أن الحركة الفكرية في الغرب الإسلامي، كانت خلال العصر الموحدي، تجوز، سواء بالمغرب أو الأندلس،