فترة من القوة والازدهار. وإذا كان من الصعب علينا، خلال هذا البحث الذي خصص لتاريخ الدولة الموحدية السياسي، أن نستوعب سائر جوانب هذه الحركة الفكرية العظيمة، التي لا يمكن أن يتسع لتفاصيلها، سوى تاريخ خاص للآداب في هذا العصر، فإننا سوف نحاول مع ذلك، أن نلم بعناصرها بصفة عامة، وأن نستعرض الكثير من أعلامها، في مختلف العلوم والفنون، ولاسيما في شبه الجزيرة الأندلسية. هذا مع ذكر طائفة من أعلام التفكير المغاربة، الذين يقتضى المقام أن نذكرهم.
ومما يلاحظ في سير الحركة الفكرية الأندلسية في العصر الموحدي، تماوجها وعدم استقرارها، ولاسيما منذ أواخر القرن السادس الهجرى، وذلك حينما بدأت قواعد الغرب الإسلامية تسقط في أيدي النصارى، واتجهت هجرة العلماء وغيرهم، من أوطانهم القديمة، صوب منطقة إشبيلية. وحدث مثل هذا التقلقل في الأندلس الوسطى، وذلك حينما سقطت قرطبة عاصمة الخلافة القديمة، وأعظم مراكز التفكير الأندلسي، في أيدي القشتاليين (٦٣٣ هـ). وتلتها بقية قواعد المنطقة مثل جيان وغيرها، فعندئذ تحول مركز التفكير الأندلسي من هذه المنطقة إلى الجنوب، صوب غرناطة وغيرها من قواعد الأندلس الجنوبية، وكانت قد بدأت تجتمع في ظل زعامة إسلامية جديدة، هي زعامة ابن الأحمر، ثم لما وقع الانهيار العام في شرقي الأندلس، وسقطت بلنسية وشاطبة ودانية وغيرها من قواعد الشرق في أيدي النصارى (الأرجونيين)(٦٣٦ - ٦٤١ هـ)، غادرها العلماء والخاصة، بعضهم إلى مرسية وأحوازها، ومعظمهم إلى ثغور إفريقية، ولاسيما تونس وبجاية، وكان في مقدمة هؤلاء علماء وكتاب أعلام، مثل ابن الأبار القضاعى، وأبي المطرف بن عميرة المخزومي، وأبي عبد الله بن الجنان وغيرهم. ولبثت مرسية وأحوازها، بعد سقوط بلنسية، زهاء ثلاثين عاما أخرى، مركزاً للعلوم الأندلسية، وإن كان ذلك في ظروف مقلقة، وتحت ضغط العدو المستمر، حتى سقطت بدورها في أيدي النصارى، وخبا بذلك آخر مشعل للعلوم الإسلامية في شرقي الأندلس، وتفرق بقية علماء الشرق، في مختلف القواعد الجنوبية، وقصد الكثير منهم إلى ثغور إفريقية وقواعد المغرب. وثمة ملاحظة أخرى تتعلق بعناصر الحركة الفكرية الأندلسية، في هذا العصر الذي اضطربت فيه أوضاع الحياة الإجتماعية بالأندلس، وهي أن هذه