للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العناصر كانت تتجه قبل كل شىء إلى العلوم الدينية والآداب، بينما لا تحظى العلوم الدنيوية المحضة منها إلا بالقليل النادر، فلا نجد من علماء الطب والفلك والنبات مثلا سوى أفراد قلائل، ولا نجد، إذا استثنينا العالم النباتى الكبير أبا العباس ابن الرومية، شخصيات علمية بارزة، من طراز ابن زهر وابن طفيل وابن رشد. أما العلوم الدينية والآداب، فقد لبثت حتى خلال المحنة، محتفظة بمستواها الرفيع السابق، بل لقد بلغت الآداب، وقت الانهيار العام، مستوى عظيما من التفوق، لم تبلغه في عصور سابقة، وبلغ النثر والشعر منتهى الروعة. ذلك أن المحنة بسقوط الأوطان القديمة، وتبدد الشمل، وفقد المال والأهل والولد، وانهيار أركان الدين، وانطفاء نور الإسلام، في تلك الربوع العزيزة، كل ذلك قد أذكى لوعة الشعر والنثر، وصدرت عندئذ في بكاء الأندلس، من المراثى البليغة، من النظم والنثر، ما يهز أوتار القلوب، وما لا يزال يحتفظ حتى اليوم بكل روعته وتأثيره. والآن بعد أن استعرضنا بعض ملامح الحركة الفكرية الأندلسية، خلال العصر الموحدي، نحاول أن نستعرض ذلك الثبت الحافل من أعلام التفكير الأندلسي، الذين ظهروا في هذا العصر، وسوف نبدأ في ذلك بعلماء الدين، من فقهاء ومحدثين، ومن إليهم من علماء الكلام والأصول وغيرهم.

- ١ -

قلنا إن الحركة الفكرية الأندلسية، خلال العصر الموحدي، تمتاز بوفرة في دراسة علوم الدين والفقه والأدب، ومن ثم فإنا نجد أمامنا جمهرة كبيرة من علماء الدين والفقه يعدون بالمئات، ومن المتعذر علينا في هذا المقام المحدود، أن نذكرهم جميعاً، ولهذا فسوف نقتصر على ذكر الأعلام البارزين منهم.

ومن جهة أخرى فإن كثيراً من هؤلاء العلماء والفقهاء، الذين امتازوا بالتفوق في العلوم الدينية، كالحديث والأصول والتفسير والفقه، كانوا في نفس الوقت يمتازون بتمكنهم من الأدب وعلوم اللغة، وبعضهم ينظم الشعر، ومن ثم فإنا سوف نحاول أن نقدم منهم من غلب عليهم التفوق في العلوم الدينية، ثم نتبعهم بمن مزجوا بين علوم الدين والأدب، بيد أن مثل هذا التصنيف لا يمكن إلا أن يكون أمراً نسبياً.

ونود أن نشير كذلك، إلى مسألة الفارق الزمنى بين عصر المرابطين وعصر الموحدين. ذلك أننا أدرجنا ضمن أعلام التفكير الأندلسي في عصر المرابطين،

<<  <  ج: ص:  >  >>