بعض من امتدت حياتهم إلى صميم العصر الموحدي، إلى سنة ٥٦٠ هـ، وأحيانا إلى سنة ٥٧٠ هـ، وسوف ندرج هنا ضمن أعلام العصر الموحدي بعض من توفوا قبل ذلك، ممن أدركوا العصر المرابطي وظهروا فيه. والتفرقة هنا نسبية أيضاً، ولا ضير منهما، ما دمنا نعنى في كتابنا بعصر المرابطين والموحدين معا.
ونبدأ بذكر طائفة من الفقهاء والمحدثين وعلماء الدين، الذين ظهروا بالأندلس في أوائل العصر الموحدي، منذ منتصف القرن السادس الهجرى. ومن الواضح أن معظمهم ظهر كذلك في العصر المرابطي، قبل عبور الموحدين إلى شبه الجزيرة واستيلائهم عليها.
كان من هؤلاء ابراهيم بن الحاج أحمد بن عبد الرحمن بن سعيد بن خالد ابن عماره الأنصارى، من أهل غرناطة، وبها نشأ ودرس على أعلام عصره بها، وبقرطبة ومالقة، وألمرية، وكان ممن أخذ عنهم أبو بكر بن عطية، وأبو الحسن ابن الباذش، وابن عتاب، وابن رشد، وغيرهم من الأقطاب، وبرع في الفقه والحديث، والقراءات، ومارس عقد الشروط، وولي القضاء بعدة جهات من ولاية غرناطة، ولما انهار سلطان المرابطين بالأندلس غادر موطنه غرناطة، يتجول في البلاد، حتى استقر أخيراً بمدينة ميورقة في كنف أميرها إسحاق بن محمد بن غانية، فولاه قضاءها، وتصدر للدرس والإقراء وكان من أعلام دولة بني غانية. وتوفي بميورقة في جمادى الأولى سنة ٥٧٩ هـ، ومولده بغرناطة سنة ٤٩٥ هـ (١).
ومحمد بن عبد الرحيم بن محمد بن الفرج بن هاشم الأنصارى الخزرجى، ويعرف بابن الفرس، من أهل غرناطة، درس على أبيه أبي القاسم، وأبي بكر بن عطية، وأبي الحسن بن الباذش، وأبي القاسم بن ورد، ودرس في قرطبة على ابن عتاب وابن رشد، وابن الوراق وغيرهم من أعلام العصر. وعنى بالحديث والفقه والقراءات، والرواية، مع تمكن من الفتوى. غادر بلده غرناطة عند وقوع الفتنة بها على أثر انهيار سلطان المرابطين واستوطن مرسية، وولي بها خطة الشورى ثم تولى قضاء بلنسية، ولكنه غادرها منذ قيام ثورة ابن شلبان، وأدى اضطراب الأحوال إلى أن صرفه الأمير محمد بن سعد عما كان بيده من الخطط، ثم عاد فاسترضاه لما رأى من علمه وفضله وزهده، وكان في وقته من أعلام حفاظ الأندلس، مع مشاركة في الأدب. أخذ عنه الكثير