ابن سليمان الحميرى الكلاعى من أهل بلنسية، وأصله من بعض ثغورها الشرقية. درس القراءات والحديث، وأخذ وروى عن جماعة كبيرة من شيوخ عصره، مثل أبي العطاء بن نذير وأبي القاسم بن حبيش وأبي بكر بن الجد، وأبي الوليد بن رشد وأبي محمد بن الفرس وغيرهم. وبرع في الحديث والفقه والأدب. وكان حسبما يصفه تلميذه ابن الأبار " إماما في صناعة الحديث، بصيراً، حافظا حافلا، عارفا بالجرح والتعديل، ذاكراً للمواليد والوفيات، يتقدم أهل زمانه في ذلك وفي حفظ أسماء الرجال، مع الاستبحار في الأدب والاشتهار في البلاغة، فرداً في إنشاء الرسائل، مجيداً في النظم، خطيباً فصيحاً مفوهاً ". ويصفه ابن عبد الملك بأنه " بقية الأكابر من أهل العلم بصقع الأندلس الشرقي، حافظا للحديث مبرزاً في نقده، ضابطا لأحكام أسانيده، كاتباً بليغاً شاعراً مجيداً، خطيباً مصقعاً ". تولى الخطبة بجامع بلنسية غير مرة، وقدم إلى سماعه الطلاب من كل صوب. وكتب عدة مصنفات في الحديث والسير والآداب، منها حلية الأمانى في الموافقات العوالى، وتحفة الرواد في الغوالى البدلية والإسناد، والمسلسلات من الأحاديث، وكتاب الاكتفاء في مغازى رسول الله، ومغازى الثلاثة الخلفاء، وكتاب حافل في معرفة الصحابة والتابعين لم يكمله، وبرنامج مروياته، وجنى الرطب في سنى الخطب، جمع فيه طائفة كبيرة من خطبه، ومؤلفات أخرى في الأدب، ومجموع رسائله، وغير ذلك، وجمع شعره في ديوان. ومما يؤثر عنه أنه كان ينحى باللائمة على الإمام الغزالي في اختيار عنوان كتابه " إحياء علوم الدين " ويقول متى ماتت العلوم حتى نقول بإحيائها، فهى مازالت حية وسوف تبقى كذلك.
وكان فوق علمه الغزير، مجاهداً من أولى الإقدام والبسالة، وثبات الجأش. يحضر الغزوات والوقائع، ويشترك بنفسه في القتال، ويبلى البلاء الحسن، وكانت آخر وقيعة اشترك فيها هي وقيعة أنيشة التي اضطرمت بين المسلمين والنصارى في ظاهر بلنسية في اليوم العشرين من ذي الحجة سنة ٦٣٤ هـ، ودارت فيها الدائرة على المسلمين، واستشهد منهم عدد جم بينهم كثير من الفقهاء والعلماء. وكان أبو الربيع في مقدمة من استشهد وهو يخوض المعمعة، ويحث إخوانه على القتال، وذلك حسبما سبق أن ذكرناه في موضعه. وقد رثاه تلميذه ابن الأبار، ومن سقط معه من علماء بلنسية،، بقصيدته الشهيرة التي مطلعها: