للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهي موطنهم وأصل دارهم، ودرس ببلنسية ومرسية وقرطبة. وتجول في سائر قواعد الأندلس الأخرى. وبرز في الحديث، والقراءات، وأخذ عن جمهرة من أقطاب العصر، منهم بمرسية أبو القاسم بن حبيش، وبقرطبة أبو القاسم ابن بشكوال، وأبو العباس المجريطي، وأبو الوليد بن رشد، وبإشبيلية أبو بكر ابن الجد، وأبو اسحق بن ملكون، وبمالقة أبو عبد الله بن الفخار وأبو القاسم السهيلى، وغير هؤلاء. وكان إماما في صناعة الحديث، متفوقاً في الرواية والضبط، حافظاً لأسماء الرجال، متمكناً من التعديل والتجريح، ولم يكن في وقته أبعد صيتا منه، ومن أخيه أبي سليمان في هذا الميدان، وكان فوق ذلك متفوقاً في علم العربية، كاتباً بليغاً، وخطيباً مقتدراً، وشاعراً محسناً. استدعاه الخليفة المنصور لتأديب بنيه فحظى لديه، ونال جاها ودنيا عريضة. وتولى في أوقات مختلفة قضاء قرطبة وإشبيلية ومرسية وسبتة وسلا وغيرها، وألف كتاباً في " تسمية شيوخ البخاري ومسلم وأبي داود والنسائى والترمذى " ولكنه لم يكمل، ووضع فهرسا حافلا لشيوخه. حدث وسمع منه الكثيرون من أعلام عصره. وتوفي بغرناطة، وهو في طريقه إلى مرسية، وذلك في الثاني من شهر ربيع الأول سنة ٦١٢ هـ، ثم نقل إلى مالقة ودفن فيها (١).

وأما أخوه داود بن سليمان بن داود، فقد ولد بأندة سنة ٥٦٠ هـ، ودرس الحديث على أبيه وأخيه كبيره عبد الله، وبرع مثله في الحديث، وطاف بقواعد الأندلس طلباً للعلم، وأخذ من الجلة أينما حل، ورحل كذلك إلى سبتة وغيرها من بلاد العدوة، وكان خبيراً بعقد الشروط. وكان ممن أخذ عنهم أبو العباس المجريطى، وابن بشكوال، وأبو بكر بن الجد، وأبو عبد الله بن زرقون، وأبو عبد الله بن الفخار، وأبو العباس بن مضاء، وابن الفرس، وأبو بكر بن أبي زمنين وغيرهم وغيرهم. وتولى قضاء سبتة وألمرية والجزيرة الخضراء، ثم تولى قضاء بلنسية، ومالقة، وعرف أينما حل بالعلم والحلم والنزاهة، وكان ورعا متواضعا، لين الجانب، يشاطر أخاه الشهرة وعلو المكانة. وتوفي بمالقة في سادس ربيع الآخر سنة ٦٢١ هـ، ودفن بسفح جبل فاره إلى جانب أخيه (٢).

ونختتم هذا الثبت من علماء الحديث والحفاظ بذكر إمامهم وشيخهم في وقته، العلامة الحافظ أبو الربيع بن سالم. وهو سليمان بن موسى بن سالم بن حسان


(١) ترجمته في التكملة رقم ٢٠٩٩.
(٢) ترجمته في الإحاطة (١٩٥٦) ج ١ ص ٥١١ - ٥١٤

<<  <  ج: ص:  >  >>