على مصر، فدخلها في جمادى الآخرة سنة ٨٦ هـ قبيل وفاة أبيه بأشهر قلائل. وعزل عبد الله، حسان بن النعمان عن ولاية إفريقية، واختار لولايتها موسى بن نصير. وكانت ولاية موسى لإفريقية على أرجح الأقوال في سنة ٨٩ هـ (٧٠٨ م).
وكان موسى بن نصير قد اخترق مفاوز إفريقية من قبل، وسيره عبد العزيز ابن مروان في سنة ٨٤ هـ إلى برقة، فافتتح درنة وسبى من أهلها جموعاً غفيرة. وكان البربر لا يزالون على اضطرابهم وتمردهم، يتحينون الفرصة للثورة كلما سنحت. فما كاد موسى يلي الحكم حتى نزعوا إلى الثورة شأنهم عند كل تغيير في الحكم، ولكنهم أخطأوا تقدير عزم الحاكم الجديد وصرامته. وسرعان ما سحقت الثورة في كل ناحية، ومزق موسى جموع الثوار بيد من حديد، ودوخ هوارة وزَتانة وكتامة وصِنهاجة وغيرها من القبائل البربرية القوية، ثم سار إلى طنجة وهي آخر معقل اعتصم به الثوار، ولم يكن غزاها العرب بعد، فافتتحها، وولى عليها جندياً عظيما هو طارق بن زياد الليثى، وأثخن في مفاوز المغرب الأقصى، وطهرها من العصاة والمتآمرين، وأحرز في تلك الغزوات من الغنائم والسبي ما لا يحصى، واستمال إليه وجوه القبائل، وحشد في جيشه آلافا من البربر المسالمين، واهتم بنشر الإسلام بين البربر اهتماماً عظيماً، فأقبلوا على اعتناقه وذاع بينهم ذيوعاً كبيراً، وهبت ريح من الأمن والسكينة على البلاد المفتوحة.
وكان الروم (الرومان) بعد أن أخفقوا في الحرب البرية، ويئسوا من استرداد إفريقية، قد لجأوا إلى غزو الثغور ونهبها، فابتنى موسى داراً عظيمة للصناعة (بناء السفن) على مقربة من أطلال قرطاجنة، وأنشأ أسطولا ضخماً لحماية الثغور. وكان العرب قد بدأوا غزواتهم البحرية الأولى في تلك المياه قبل ذلك بعدة أعوام، وسير موسى ابنه عبد الله في السفن إلى الجزر القريبة فغزا جزائر البليار (الجزائر الشرقية) وكانت يومئذ من أملاك ملك اسبانيا القوطى، وافتتح مَيُورقة ومِنُورقة (٧١٠ م) ولكنه لم يكن فتحاً مستقراً (١). وسارت
(١) تعرف هذه الغزوة بغزوة الأشراف لكثرة من اشترك فيها من أكابر المسلمين. وورد في كتاب " الإمامة والسياسة " أن هذه الغزوة التي قادها عبد الله بن موسى كانت خاصة بصقلية لا بميورقة (ج ٢ ص ٧٣).