السلم بين شارلمان والحكم، واستمر معقوداً حتى وفاة شارلمان بعد ذلك بأعوام قلائل في سنة ٨١٤ م.
ووقعت في تلك الأثناء عدة ثورات محلية، فثار حزم بن وهب في باجة، وامتد سلطانه حتى أشبونة، فسير إليه الحكم ولده هشاماً، فقاتل الثوار حتى أذعنوا لطلب الأمان. وعادت طليطلة إلى الثورة في سنة ١٩٧هـ لأعوام قلائل من واقعة الحفرة، فرأى الحكم أن يسير إليها بنفسه، فسار في قواته من طريق منحرفة كأنه يقصد الشمال، ثم تحول إليها فجأة، ولم تكن الثورة يومئذ، في مثل عنفها القديم، فلم يجد الحكم مشقة في دخول المدينة الثائرة وإخضاعها (سنة ١٩٩هـ). وثارت بعد ذلك ماردة بقيادة زعيمها مروان بن يونس الجليقي، فبعث الحكم إليها ولده عبد الرحمن في الجند فأخضعها.
وفي سنة ١٩٧هـ (٨١٢ م) عصف بالولايات الشمالية قحط شديد، وعانى المسلمون في تلك الأنحاء كثيراً من ضروب الحرمان والبؤس، ومات منهم خلق كثير، وعبر البحر إلى العدوة الكثير منهم، فبادر الحكم إلى إغاثتهم ومعاونة المنكوبين منهم، وتخفيف الويل عنهم، وفرق الصدقات الواسعة والأموال الكثيرة في الضعفاء والمساكين، وأبناء السبيل، وفي ذلك يمتدحه شاعره عباس بن ناصح الجزيري بقوله:
نكد الزمان فآمنت أيامه ... من أن يكون بعصره عسر
طلع الزمان بأزمة فجلت له ... تلك الكريهة جوده الغمر
وكانت آخر غزوة قام بها الحكم في الشمال في سنة ٢٠٠هـ (٨١٥ م) إذ سير الحاجب عبد الكريم بن عبد الواحد بن مغيث إلى جلِّيقية في جيش ضخم، وكان الجلالقة وحلفاؤهم البشكنس ما يزالون على عدوانهم وعيثهم بالأراضي الإسلامية المجاورة، فتوغل المسلمون في أراضي جليقية، وأثخنوا فيها، ونشبت بينهم وبين النصارى موقعة شديدة على ضفاف نهر أرون استمرت عدة أيام، وانتهت بهزيمة النصارى، وقتل منهم عدد كبير، ووقع في الأسر جماعة من أمرائهم وأكابرهم، وارتد النصارى إلى الداخل، واعتصموا بالوهاد والربى، وعاد الحاجب إلى قرطبة ظافراً (١).