بذكر قطبهم الأكبر الشيخ محيى الدين الطائي، الذي يعتبر شيخ المتصوفة على الإطلاق. وهو محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن عبد الله، الشيخ محيى الدين الطائى الحاتمى، ويكنى أبا محمد وأبا بكر، ويعرف بابن عربي تمييزاً له من العلامة أبي بكر بن العربي. ولد في شهر رمضان سنة ٥٦٠ هـ بمدينة مرسية، وسكن إشبيلية وقتا، وأخذ بمرسية عن أشياخها، ومنهم ابن بشكوال، وكان يقيم بها يومئذ، وعبر إلى المغرب ونزل بجاية في رمضان سنة ٥٩٧ هـ، وأخذ عن أشياخها، ثم رحل إلى المشرق حاجا، فأدى الفريضة، ولم يرجع بعدها إلى وطنه، وسمع بمكة وبغداد ودمشق، ودرس الحديث ومال إلى التصوف، وشغف به، حتى ملك عليه كل جوارحه، وكان ظاهرى المذهب، وكان يحدث بالإجازة العامة عن أبي طاهر السلفى. واشتهر ابن عربي، بانقطاعه إلى التصوف وتبحره في مذاهبه وطرائقه، حتى وصفه بعض مترجميه " بالبحر الزاخر في المعارف الإلهية "، وله ثبت حافل من المؤلفات الجليلة التي تدل على غزير علمه وسمو معارفه، نذكر منها " الفتوحات المكية " وهو مؤلف ضخم يعالج فيه طرائق الصوفية علاجا شاملا، " والتدبيرات الإلهية " و " فصوص الحكم "، " وتاج الرسائل ومنهاج الوسائل " و " كتاب العظمة "، و " المتجليات " و " مفاتيح الغيب "، و " كتاب الحق "، و " مراتب علوم الوهب "، و " الإعلام بإشارات أهل الإلهام "، و " العبادة والخلوة "، و " المدخل إلى معرفة الأسماء "، و " أسرار الخلوة "، و " عقيدة أهل السنة "، و " ناصحة النفس واليقين "، و " مشكاة الأنوار "، وكثير غيرها. وقد ذكر منها صاحب فوات الوفيات أكثر من خمسين مؤلفا. وكان ابن عربي يجاهر بكثير من الآراء الحرة التي تؤخذ عليه أحيانا، وتعتبر من ضروب الإلحاد، حتى أنه حينما كان بمصر، وصدرت عنه تلك الآراء أو الشطحات كما كان يصفها ابن عربي، اشتد العلماء المصريون في محاسبته، ورموه بالإلحاد والكفر، وطالبوا بإهدار دمه، لولا أن شفع له بعضهم ونجا من تلك المحنة. وكان ابن عربي آية في الذكاء والحافظة وسرعة الخاطر، فصيحا، بارع البيان، وعلى الجملة فقد كان قطبا من أعظم أقطاب عصره، وكان صيته يطبق أنحاء المشرق والمغرب. وتوفي ابن عربي في دمشق في نحو الثمانين من عمره، وقد اختلف في تاريخ وفاته، فذكر صاحب فوات الوفيات أنه توفي في الثامن والعشرين من ربيع الأول سنة ٦٣٨ هـ. وذكر ابن الأبار أنه توفي بعد الأربعين وستمائة