للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والغوث، وينشد بين يديه قصيدته السينية الرائعة التي مطلعها:

أدرك بخيلك خيل الله أندلسا ... إن السبيل إلى منجاتها درسا

وقد أتينا على ذلك كله مفصلا في موضعه. ونود أن نضيف هنا أن ابن الأبار هزته هذه المحنة إلى الأعماق، فلم يطق البقاء في الوطن المنكوب، وغادر الأندلس وعبر البحر مرة أخرى إلى تونس، فوصلها في أواخر سنة ٦٣٦ هـ (١). وعاش حيناً في كنف أميرها أبي زكريا الحفصى يتولى له كتابة العلامة، ثم أخذ يتردد بين تونس وبجاية يدرس هنا وهناك. ولما توفي الأمير أبو زكريا في سنة ٦٤٧ هـ، وخلفه ولده المستنصر بالله، التحق ابن الأبار ببطانته العلمية، ولكنه لم يكن قريراً مطمئناً إلى هذه الحياة، لما كان يتخللها من غضب السلطان بسبب دسائس خصومه أحيانا، وبسبب تصرفاته الشخصية النزقة أحيانا أخرى. واستطاع خصوم ابن الأبار في النهاية أن يوقعوا به، ورفعت إلى السلطان بعض أقوال وأبيات شعر نسبت إليه طعناً في السلطان وتعريضاً به، فأمر المستنصر بجلده ثم بقتله، فجلد بالسياط، ثم قتل طعناً بالرماح، وأخذت كتبه وأحرقت في موضع قتله. ووقع مصرع ابن الأبار على هذا النحو المؤسى في الحادي والعشرين من شهر المحرم سنة ٦٥٨ هـ (٨ يناير سنة ١٢٦٠ م)، واختتمت بذلك حياة أعظم شخصية في الأدب الأندلسي في القرن السابع الهجرى.

وقد ترك لنا ابن الأبار تراثا حافلا من المنثور والمنظوم، والمصنفات التاريخية الجليلة. وأقوى وأروع ما صدر عن ابن الأبار من نثر ونظم، هو ما كتبه أيام المحنة، أيام انهيار الأندلس، وأيام سقوط وطنه بلنسية، من القصائد والرسائل، التي مازالت تحتفظ حتى يومنا برنينها المبكى، الذي يتفطر له الفؤاد، وقد أشرنا إلى بعضها فيما تقدم من فصول هذا الكتاب. وأما تراثه التاريخي، فهو من أنفس ما انتهى إلينا عن تاريخ الأندلس، وتاريخ رجالاتها، ولاسيما في القرن السادس الهجرى، وأوائل القرن السابع، وقد كان ابن الأبار وزيراً وكاتباً، ومعاصراً لكثير من الحوادث التي يرويها. وأهم مصنفاته التاريخية هو بلا ريب كتاب " التكملة لكتاب الصلة " وهو موسوعة حافلة في التراجم، يتخللها كثير من النبذ التاريخية الهامة، وقد وضعه ابن الأبار تنفيذاً لإشارة أستاذه أبي الربيع بن سالم كبير علماء الشرق الأندلسي يومئذ، وأريد به أن يكون " تكملة " لكتاب الصلة


(١) هذا ما يقوله ابن الأبار في التكملة في الترجمة رقم ١٨٨٠

<<  <  ج: ص:  >  >>