للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومحمد بن عبد الله بن ابراهيم بن عبد الله بن قسوم اللخمى من أهل إشبيلية، كان أديباً شاعراً راوية. وعكف على الزهد والعبادة، فطار ذكره، وقصر شعره على الزهد والمراثى، وأخذ البعض عنه. وعنى بالسير، وألف كتابا سماه " محاسن الأبرار في معاملة الجبار " يشتمل على أخبار الصالحين من أهل إشبيلية. وتوفي في ذي الحجة سنة ٦٣٩ هـ (١).

على أن أعظم أقطاب الرواية والتاريخ، في هذه الفترة القاتمة من تاريخ الأندلس، هو بلا ريب أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي بكر القضاعى المعروف بابن الأبار. وقد آثرنا أن نضع هذا المفكر الأندلسي العظيم بين المؤرخين، لأن تراثه التاريخى هو أقيم ما انتهى إلينا من آثاره العديدة. ذلك أن ابن الأبار، هو علامة متعددة الجوانب، فهو فقيه راسخ، وكاتب بلغ ذروة البيان، وشاعر مبدع مبكى، ثم هو بعد ذلك كله مؤرخ محقق، وكان مولده بثغر بلنسية في سنة ٥٩٥ هـ، في بيت علم ونبل، وأصلهم من أندة على مقربة من غربي بلنسية. ودرس ابن الأبار على أبيه عبد الله، وعلى عدة من أقطاب عصره، منهم أبو عبد الله ابن نوح، وأبو جعفر الحصار، وأبو الخطاب بن واجب، وأبو سليمان بن حوط الله، وكبير محدثى الأندلس يومئذ أبو الربيع بن سالم، وقد لازمه ابن الأبار أكثر من عشرين سنة، وهو الذي أشار عليه فيما بعد أن يضع معجمه الشهير " التكملة لكتاب الصلة ". وبرع ابن الأبار في اللغة والأدب، وشغف بالأخبار والسير، ورحل في مطلع شبابه إلى غربي الأندلس، فزار قرطبة، ثم إشبيلية، وهو يأخذ أينما حل عن أساتذة العصر. وتولى ابن الأبار في شبابه قضاء دانيه (٢)، ولكن القدر كان يدخره لمهام أخطر. ذلك أنه تولى منصب الكتابة للسيد أبي زيد والي بلنسية الموحدي، ولما اضطرمت الثورة ببلنسية ضد الموحدين وغلب على بلنسية الرئيس أبو جميل زيان بن مردنيش، تولى ابن الأبار له منصب الكتابة، ولكنه لم يمكث طويلا في ذلك المنصب، وشاء القدر أن تسقط بلنسية في أيدي النصارى سنة ٦٣٦ هـ، وأن يكون ابن الأبار يوم تسليمها إلى جانب أميره، وأن يقوم هو بتحرير شروط التسليم، وكان ذلك بعد أن عبر ابن الأبار البحر سفيراً إلى تونس يطلب إلى أميرها باسم أميره، وباسم الإسلام في الأندلس، الإنجاد


(١) ترجمته في التكملة رقم ١٦٦٩.
(٢) هذا ما يستفاد من قول ابن الأبار في التكملة في الترجمة رقم ٢١١٧

<<  <  ج: ص:  >  >>