ابن عبد الملك " حتى وقف من ذلك على ما يقف عليه غيره، ممن تقدم في الملة الإسلامية، فصار واحد عصره فرداً، لا يجاريه فيه أحد بإجماع ذلك الشأن " ووصفه ابن الخطيب بأنه " عجيبة نوع الإنسان في عصره، وما قبله، وما بعده في معرفة علم النبات، وتمييز العشب، وتحليلها، وإثبات أعيانها، على اختلاف أطوار منابتها بمشرق أو بمغرب، حساً، ومشاهدة وتحقيقاً، لا مدافع له في ذلك ولا منازع، حجة لا ترد ولا تدفع. قام على الصنعتين لوجود القدر المشترك بينهما وهما الحديث والنبات، إذ موادهما الرحلة والتقييد، وتصحيح الأصول وتحقيق المشكلات اللفظية، وحفظ الأديان والأبدان وغير ذلك ".
وكان ابن الرومية فقيهاً ظاهرى المذهب، من أنصار ابن حزم، وانتشرت على يديه تصانيف ابن حزم، بما أبداه من غيرة وعناية في إظهارها واستنساخها والإنفاق عليها، وكان إلى ذلك ورعا، زاهدا، وكان بعد أن عاد من رحلاته الدراسية بالمشرق قد استقر ببلده إشبيلية، وافتتح متجراً لبيع الأعشاب الطبية. قال ابن الأبار:" وهناك رأيته ولقيته غير مرة ".
ولإبن الرومية تصانيف عديدة في الحديث والنبات، منها في الحديث، رجالة المعلم بزوائد البخاري على مسلم، واختصار حديث مالك للدارقطنى، ونظم الدرارى فيما تفرد به مسلم عن البخاري، والحافل في تدليل الكامل وغيرها. ومن مصنفاته في النبات " شرح حشائش دياسقوريدس وأدوية جالينوس، والتنبيه على أوهام ترجمتها " و" التنبيه على أغلاط الغافقي "، و " الرحلة النباتية " و " المستدركة " وغيرها، وله كتاب في " الأدوية المفردة " على نمط كتب بني زهر في ذلك. ويعتبر ابن الرومية أعظم العشابين والنباتيين في العصور الوسطى، ولا يتقدمه أحد في هذا الشأن من القدماء سوى دياسقوريديس اليونانى، الذي عاش في القرن الأول للميلاد، والذى وضع ابن الرومية شرحه لحشائشه.
وتوفي ابن الرومية بإشبيلية في شهر ربيع الآخر سنة ٦٣٧ هـ، قبل سقوطها في أيدي القشتاليين بنحو تسعة أعوام (١).
وجاء بعد ابن الرومية تلميذه ابن البيطار المالقي، فكان أعظم علماء النبات بعد أستاذه، وهو ضياء الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد، ولد بمالقة في أواخر القرن السادس الهجرى، ودرس على أستاذه ابن الرومية وبرع مثله في النبات
(١) ترجمته في التكملة رقم ٣٠٤، وفي الإحاطة لابن الخطيب (١٩٥٦) ج ١ ص ٢١٥ - ٢٢١