للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خدم طبيبا لولده الملك الأفضل، وأخذ عليه بالقاهرة كثير من علمائها وأطبائها، ومنهم العلامة الطبيب عبد اللطيف البغدادى، وكان يقيم وقتئذ بالقاهرة، وتوفي ابن ميمون في سنة ٦٠٢ هـ (١٢٠٤ م). ويعتبر ابن ميمون من أعظم المفكرين اليهود في العصور الوسطى، ومن أعظم شراح الشريعة اليهودية، وقد ترك تراثاً حافلاً من المؤلفات الدينية والفلسفية والطبية، من ذلك شرح للتلمود، وعدة شروح لكتب جالينوس، " ودلالات الحائرين " في شرح فلسفة أرسطو، وهو أعظم كتبه الفلسفية، وتهذيب كتاب الإستكمال لابن هود في الرياضيات، ومقالة في صناعة المنطق، وكثير غيرها في أبواب الشريعة اليهودية. وكان لكتابات ابن ميمون الدينية والفلسفية تأثير عظيم في التفكير الأوربى في العصور الوسطى.

- ٤ -

هذا، ونختتم هذا الحديث الطويل عن الحركة الفكرية الأندلسية وأعلامها، بكلمة موجزة عن سير الفنون خلال العصر الموحدي.

لقد امتاز العصر الموحدي بالأندلس والمغرب، بظهور حركة فنية مستقلة، تتمثل بالأخص في الصروح والمنشآت العظيمة، التي أقيمت خلال هذا العصر، سواء بالمغرب أو الأندلس، وتميزت بخصائصها المعمارية والفنية الخاصة، والتي بقيت منها حتى اليوم آثار عديدة، تشهد بتقدم العلوم الهندسية والفنون المعمارية في هذا العصر. وقد نشأت الدولة الموحدية في البداية على أسس دينية محضة، تباعد بينها وبين المظاهر الدنيوية البراقة. بيد أنه لما تحولت الخلافة الموحدية، على يد عبد المؤمن إلى ملك دنيوى باذخ، كان من الطبيعي أن تتجه الدولة الموحدية إلى استكمال مظاهر الفخامة والأبهة الملوكية. وبدأ ذلك الاتجاه منذ أواخر عهد عبد المؤمن بإقامة مدينة جبل طارق الملوكية، لتكون منزلا للخليفة أو السادة، عند عبورهم في جيوشهم إلى الأندلس، وكان هذا العمل الإنشائى العظيم مسرحا لظهور عبقرية بعض أعلام المهندسين الأندلسيين، الذين اقترن اسمهم فيما بعد بأعمال إنشائية جليلة أخرى، مثل الحاج يعيش المالقي. وظهرت رعاية الدولة الموحدية للفنون المعمارية بالأخص بمدينة إشبيلية، عاصمة الأندلس خلال العصر الموحدي، وهي التي كانت مسرحا لأعظم وأجمل المنشآت العمرانية الموحدية بالأندلس. وقد سبق أن تحدثنا عن إنشاء القصور الموحدية الفخمة خارج إشبيلية أمام باب جهور أيام الخليفة أبي يعقوب يوسف، وعن بساتينها اليانعة، كما

<<  <  ج: ص:  >  >>