للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تحدثنا عن إنشاء جامع إشبيلية الأعظم على يد الخليفة أبي يعقوب يوسف ثم ولده الخليفة أبي يوسف يعقوب المنصور، وعناية المنصور بإقامة صومعته العظيمة، (وهي التي يسميها الإسبان اليوم لاخيرالدا). وأقام الموحدون كذلك عدداً من المنشآت العمرانية بقرطبة عاصمة الخلافة القديمة، من قصور وغيرها. وكان قصر السيد أبي يحيى بن أبي يعقوب يوسف بن عبد المؤمن خارج قرطبة على النهر الأعظم تحمله أقواس. وأنشأ ولده السيد أبو إبراهيم اسحق أيام أن كان واليا لغرناطة، قصره الفخم على مقربة من ضفة شَنيل، ومازالت تقوم حتى اليوم بعض أطلاله وعقوده (١). وقد كانت الخلافة الموحدية تبتعد في البداية عن مظاهر الترف والزخرف في منشآتها العمرانية، وتكتفى بمراعاة المتانة والجلال، ولكنها لما بلغت ذروة عظمتها الدنيوية أيام المنصور، أخذت تغدق على منشآتها أعظم مظاهر الفخامة والزخرف، فنرى المنصور يزود جامع إشبيلية بمنبره الفخم المرصع بالصندل المجزع والعاج وبصفائح الذهب والفضة، وبمقصورته المزينة بالفضة، ونراه يزود صومعة هذا الجامع بتفافيحها الذهبية الشهيرة (٢). وفي خلال هذه الحركة العمرانية والفنية العظيمة، نرى عدداً من أقطاب الهندسة والفن مثل الحاج يعيش المالقي المتقدم الذكر، والعريف أحمد بن باسُه، والمعلم أبو الليث الصقلي، وغيرهم ممن اقترنت أسماؤهم بهذه المنشآت العظيمة، يتزعمون بالأندلس خلال العصر الموحدي حركة فنية زاهرة، ونرى أصداء هذه الحركة العمرانية والفنية الزاهرة، تتردد في نفس الوقت في المغرب، وفي عاصمة الخلافة الموحدية مدينة مراكش العظيمة، في إنشاء الخليفة المنصور في بداية عهده لضاحية الصالحة الملوكية، وقصورها الفخمة، جنوبي مراكش، وفي إنشاء أو إتمام صومعة جامع الكتبية، على نمط صومعة جامع إشبيلية العظيمة، وإنشاء صومعة حسان بمدينة رباط الفتح، وهي صومعة لم تكمل، وماتزال هذه الصوامع العظيمة، وهي من أبرز آثار العصر الموحدي الفنية، قائمة إلى يومنا، ومنها صومعة جامع إشبيلية التي تحول فقط جزؤها الأعلى، إلى برج للأجراس لكنيسة إشبيلية العظمى، التي أنشئت فوق موقع الجامع، بيد أنها لم تفقد بالرغم من ذلك سمتها الإسلامية، ومازالت زخارفها العربية، في مشارفها ونوافذها السفلى، تشهد بروعة الفنون الزخرفية خلال العصر الموحدي.


(١) راجع ص ٣٣١ من هذا الكتاب.
(٢) راجع ص ٢٣٢ و ٢٣٣ من هذا الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>