للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم نجد في أخبار العصر الموحدي ما يدلنا على تطور الموسيقى الأندلسية، ومن المعروف أن الموحدين مهما بلغ تسامحهم وتشجيعهم، نحو فنون العمارة والزخارف المعمارية، فإنهم لم يكونوا بطبيعة نظامهم، وتزمتهم الدينى، حماة للفنون الجميلة المحضة من الموسيقى غيرها، ومن ثم فإننا لم نعثر على أحد من نبغ في الموسيقى في تلك الحقبة، اللهم إلا محمد بن أحمد الرَّقوطى المرسى، الذي جمع إلى براعته في الهندسة والمنطق، والفلسفة والطب، براعته في الموسيقى، وكان ظهوره في الشرق عقب انهيار سلطان الموحدين، وانهيار شرقي الأندلس، وسقوط قواعده في أيدي النصارى (١).

بيد أنه كان ثمة فن من الفنون الجميلة ازدهر خلال العصر الموحدي، هو فن كتابة المصاحف وتنميقها وزخرفتها، ونستطيع أن نذكر عدة ممن نبغوا في هذا الفن، فمنهم محمد بن عبد الله بن سهيل الأنصاري البلنسى المعروف بابن غطوس، والمتوفى في سنة ٦١٠ هـ، فقد وهب ابن غطوس حياته لكتابة كتاب الله، وبرع في تنميق المصاحف وزخرفتها براعة عظيمة، جعلت الملوك والأمراء يتنافسون في اقتنائها (٢). ومنهم محمد بن محمد بن يحيى بن حسين من أهل جزيرة شقر، المتوفى نحو سنة ٦٣٠ هـ، وكان أبرع أهل وقته في كتابة المصاحف (٣)، ومنهم محمد بن عبد الرحمن بن عبد العزيز المعروف بابن حمنال، من أهل مرسية والمتوفى سنة ٦٣٣ هـ (٤)، ومنهم موسى بن عيسى اللخمى القرطبي المعروف بابن الفخار، وقد توفي في سنة ٦٢١ هـ (٥)، وغير هؤلاء.

هذا وقد سبق أن أشرنا إلى تفوق الهندسة والفنون الموحدية، في إقامة المنشآت الدفاعية، من حصون وأسوار وأبراج، مازالت تشهد بروعتها حتى اليوم أطلال قصبة بطليوس، وقلعة جابر، وأسوار إشبيلية ولبلة الموحدية (٦).


(١) سبق أن أتينا على ترجمة الرقوطى في ص ٢١٨ من هذا الكتاب.
(٢) ترجمة ابن غطوس في التكملة رقم ١٥٧١.
(٣) ترجمته في التكملة رقم ١٦٤٤.
(٤) ترجمته في التكملة رقم ١٦٥٢.
(٥) ترجمته في التكملة رقم ١٧٣٣.
(٦) راجع ص ٦٤٠ من هذا الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>